حوار مع ظريف في قبره

TT

هذا حوار ظريف بحد ذاته، فلا أدري ما الذي جعلني أحلم بصديقي، الإذاعي المبدع، فؤاد الجميعي رحمه لله وقد فاتت على وفاته بمرض السرطان أكثر من ثلاث سنوات، أو قل بالأحرى ما الذي جعله يخرج من قبره ويتراءى لي في ليلة من ليالي لندن القارسة. بادرني بالكلام، قال: ما شفتك بيوم جنازتي. قلت له والله يا أبو شريف أنا جئت ومعي زوجتي ولهذا أخطأنا فذهبنا إلى مقبرة أخرى. وهناك وجدنا أنفسنا في جنازة ثانية لرجل نصراني لا أعرفه ولا استعرفه. وكانت غلطة كبيرة لأني سمعت بأنك أوصيت أن يعزفوا أغنية من أغاني ماريا كالص قبل دفنك. وأنا أحب ماريا كالص كما تعرف وفاتت علي.

«أوه، يا أبو نايل. أنا أيضا فاتت علي. ما سمعتهاش. قافلين علي بها التابوت الثخين وأنا ميت. ما سمعتهاش!».

لم أسأله كيف مشى الحساب وأين هو الآن. اعتبرت كل ذلك تطفلا مني وتدخلا في الشؤون الشخصية للناس. وأنا أعرف صاحبي وكم هو حريص على عدم إعطاء عنوانه. ولكنني سألته عن أحواله وصحته.

«إزيك يا فؤاد؟ طمني على أحوالك».

«الحمد لله. أنا الآن كويس تمام. تخلصت من السرطان. مثلما تعرف، أنا الآن ميت».

فؤاد الجميعي، المصري الأصيل. يضحك ويكركر وينكت حتى من عالم الأموات. مبروك عليهم كلهم، سيكون بينهم هذا المصري الإسكندراني الذي سينير أوقاتهم بقفشاته ودعاباته وسخرياته.

استفقت من النوم وعدت إلى دنيا الواقع وعالم الفكر والتفكير لعنه لله. «تخلصت من السرطان. أنا الآن ميت». أهذه واحدة من سخرياتي السوداء خطرت لي وأنا في النوم، أم هي يا تُرى نكتة جميعية أصيلة كم سمعنا مثيلاتها من هذا الأديب الظريف في نادي الإذاعة البريطانية في لندن؟ وها هي روحه الخفيفة تزورني ليلا في المنام. ومن لا يؤمن بالأحلام والمنام والأرواح التي تزورنا وتحاورنا ونحن رقاد فعليه أن يتعلم من صاحبي أبو شريف رحمه الله.