لثالث مرة: طه حسين!

TT

فكرة أن نذهب إلى طه حسين هي فكرتي. قد هدم العقاد الدنيا كلها دون أن يهتز له جفن. وهدمها واتجه يبحث عن شيء آخر يهديه. ولم ينتبه إلى أنه أصابنا في مقتل. يقال إن الإسكندر قد ذهب في غزواته إلى آسيا. نظر إلى السماء فسألوه: لماذا؟ قال: أبحث عن مكان آخر أغزوه!

غرور. طيش شباب. والعقاد لم يلتفت إلى شيء آخر يبديه. لم ينظر إلينا. كأنه هدم الأوثان والأبطال جميعا، داخل دنيانا من كل من نحب ونعجب به.

يا أستاذ كأنك الجرجون يا أستاذ.. الجرجون التي إذا نظرت إلى شيء صار حجرا وإذا نظرت للناس أو النبات أو الحيوان كلهم يصيرون أحجارا. وهذا ما فعله الأستاذ. قد أمات كل شيء حولنا ولنا..

وكما أن حيوان الجرجون لما ضاقوا به قدموا له مرآة. رأى نفسه فيها فصار حجرا أيضا.. ولا بد أن نذهب إلى طه حسين ليحول هذه الصحارى القاحلة إلى شيء حي جميل.. لا يمكن أن يكون طه حسين قد أمات الدنيا وعاش على جثث المفكرين والفلاسفة والأدباء.. لا يمكن. إنها فكرتي أن نذهب إلى طه حسين نسأله نستهديه.. إنه عندما تحدث عن الشعر في العصر العباسي كان عاشقا يحب ما يقول. والذي لا يعجبه يقوله بذوق بلطف، بينما العقاد يمسك فأسا يعلو على كبيرنا ويقول إنه لا ينطق. طه حسين ليس عوليس الذي يبذر الأرض بالملح ويتوقع أن تنبت. فالأرض لا تنبت بالملح.. وطه حسين لا يميت أحدا ويمشي في جنازته..

وكنت أول المتكلمين. وقبل أن أنطق قال طه حسين: أين أنت يا سيدي!

وتلفتُّ حولي فوجدته يكلمني أنا.. ويقول يا سيدي.. أريد أن أشرح لك كيف قالها. الوجه باسم والرأس عالٍ ويتجه إليك ويظل يبتسم ويقول: وحشتنا يا سيدي أين كنت ما الذي ومن الذي شغلك عنا..؟

أنا يسألني ويقول لي إنني انشغلت بغيره عنه. ما هذا الأدب. ما هذه الرقة. ثم إنه أستاذ عظيم. لا يقلل منه ومن قدره أنه يقربنا منه أستاذا لطلبة وأبا لأبناء.. شيخا لحَوارِيّين..

وجاء أحد الزملاء يتكلم.. فسبقته إلى الكلام: أستاذنا العظيم. إننا في محنة. إننا في حالة ضياع.. لقد ضاع منا كل شيء.. لقد أضاع وهدم وأباد وأعدم كل الدنيا..

قال طه حسين: من يكون هذا يا سيدي..

قلت: العقاد..

قال: هاها.. وماذا قال لكم العقاد؟

قلت وأطلت. وضحك طه حسين قائلا: اسمع يا سيدي!