دريد لحام يتعلم من حماس

TT

وصل الممثل الهزلي المعروف دريد لحام إلى غزة مع آخرين من زملائه وزميلاته الفنانين السوريين في رحلة دعم لصمود غزة تحت قيادة حماس الباسلة، رغم أنه لم تنشب حرب جديدة، ولم تطلق صواريخ، ولم تنفذ عمليات انتحارية.

مع هذا، عليكم ألا تستخفوا بمواهب حماس الفنية على اعتبار أن قدراتها معطلة عسكريا منذ الحرب الماضية مع العدو الإسرائيلي. فما نسمعه من قادة حماس يرقى إلى العمل المسرحي الرائع سواء الفكاهي أو الدرامي. باحتراف مميز أعلنت حماس أنها قررت منع إطلاق الصواريخ على إسرائيل بموافقة جميع الفصائل! ومن لم يعرف يظن أن حماس والفصائل تكدر على الإسرائيليين نومهم بوابل من الصواريخ كل ليلة في حين أنها بضعة صواريخ في عام كامل، وقد تبرأت منها حماس وتعهدت بأنها ستلاحق مطلقيها، ثم تتفرغ لنقد عدوتها الحقيقية، السلطة الفلسطينية في رام الله، تتهمها بالخنوع للصهاينة.

وكأي مسرح كوميدي، فإن من لا يضحك فيه يهلك، لهذا مواهب الإخوة المحترفين في حماس رائعة في تغيير الحقائق. ففي سجون حماس في غزة عشرات المقاتلين السلفيين الذين اعتقلتهم حماس لأنهم أعلنوا عن إقامة دولة إسلامية ومحاربة العدو الإسرائيلي. البعض سيقرأ هذه المعلومة المكررة للمرة المائة من دون أن ينتبه إلى أننا نتحدث عن حماس لا فتح، قوة حماس قتلت قائد الحركة السلفية في مسجده.

وإذا كنتم تظنون أنني أبالغ في الحديث عن مهارات حماس المسرحية أحيلكم إلى قصة أخرى تستحق جائزة الأوسكار، وهي أن حمارا عاديا جلب إلى حديقة الحيوان وتم تخطيط جلده باللون الأسود ليشبه الحمار الوحشي، لماذا؟ حتى يزور الصغار حديقة الحيوان ويظنون أنه حمار وحش، في حين أنه ليس إلا حمار الشارع العادي الذي يعرفونه. أما لماذا هذا التزوير غير المسبوق؟ فقط نشاط مسرحي آخر لحماس.

حماس تمنع قصف إسرائيل وتسميه توافق فصائل، في حين تسميه في الضفة خنوعا، وتعلن حماس قبولها بالتفاوض على حدود قائلة إنها تفاوض على حدود مؤقتة لفلسطين الجديدة للتغطية على أنها تزاحم فتح، إنها سياسة حمار الوحش المزور.

لهذا ليس غريبا أن يعود دريد لحام إلى غزة، صاحب التجربة المسرحية الفكاهية الغنية، في درس ميداني جديد. وبعيدا عن التهكم، تبقى الحقيقة أن حماس مضطرة لممارسة عملية تدليس مستمرة، لماذا؟ لأسباب من بينها أنها وضعت نفسها في زاوية صعبة. فهي تعد شعبها بالقتال وترفض المفاوضات، وعندما صارت مسؤولة وجدت أن القتال يعني خسارتها للحكم، كما اكتشفت أن المفاوضات مبتغى المواطن الفلسطيني، وكذلك خافت أن تخسر شعبيتها بين أتباعها المتشددين ويفوتها قطار التفاوض. والسبب الآخر أن حماس لا تملك قرارها، فهي إن قيل لها في دمشق لا تذهبي إلى القاهرة تمتنع عن السفر وتبحث عن عذر، وعندما يقال لها المناخ يتطلب عدم التحرش بإسرائيل تلقي اللوم على الفصائل بأنهم امتنعوا من ذاتهم عن قصف العدو. هذه المواقف المتناقضة الخارجة عن إرادة قيادتيها في غزة ودمشق تجعلها تمارس التمثيل السياسي على المسرح العربي. وبسبب تكرر المسرحية الحمساوية صارت مواقفها طرفة مكررة لم تعد تضحك الجمهور المتابع. إما أن تكون حماس حركة مقاتلة وتستمر في قتال إسرائيل وتستحق منا جميعا أن نحترمها، أو أن تتحول، مثل فتح، منظمة مدنية صريحة وصادقة مع شعبها. خياران لا ثالث لهما، وهذا ما جعل جماعات تنفصل عنها وتقاتلها في غزة نفسها لأنها تحولت إلى مثل جدار عازل يحمي إسرائيل.

[email protected]