دوا للضغط!

TT

العيش في العالم العربي يغني عن أدوية الضغط والمهدئات؛ لأن الإثارة لا حدود لها، ولا يمكن توقع ما الذي سيخبئه لك الغد. تستيقظ الصباح فتجد أن الحرب العالمية الثالثة انطلقت بسبب مباراة كرة قدم. تستيقظ لتجد أن هناك فردا جديدا يدعي أنه قريب من الله وأنه يتحدث بالنيابة عن نائبه في الأرض وأن سلطته مستمدة من السماء مباشرة. تستيقظ لترى صراعات وخلافات وآراء واقتتالا على فتاوى شخصية كانت تصلح لوقتها ويصور الأمر على أنه مساس بأصل الدين كله. تستيقظ لترى أن الباطل بات حقا وتسخّر لذلك الأقلام والأبواق. ولا يلطف هذا كله سوى التعليقات والنكات التي تخرج من صدور الناس لتعبر عن همهم وقلقهم. فاليوم اللبنانيون يعلقون على التحركات المثيرة على الساحة السياسية للمسيحيين، فهم يرقبون لقاء سمير جعجع مع سليمان فرنجية لعله يغلق ملف ثأر قديم، وذلك بعد حصول لقاء وصف بالتاريخي بين زعيم الكتائب الرئيس الأسبق أمين الجميل مع سليمان فرنجية، والقوات اللبنانية ـ كما هو معلوم ـ الذراع العسكري الأسبق لحزب الكتائب (وأتحدى أي أحد أن يشرح لي بصورة مقنعة ومنطقية الفارق السياسي بين مبادئ الكتائب والقوات اللبنانية!). وهناك إشاعة قوية عن لقاء قريب منتظر بين البطريرك نصر صفير والزعيم العماد ميشال عون قائد التيار الوطني، ولكن العماد عون سرعان ما نفى ذلك بشدة، وسرت إشاعة أو نكتة أن العماد ميشال عون بعد ما يئس من منصب رئاسة لبنان أصبح يسعى ليكون البطريرك القادم.

واليوم دخلت كلمة جديدة على القاموس السياسي العربي، فبعد ما ترنم الناس لفترة غير بسيطة بالعلوج ونوادرهم تدخل الآن كلمة «الحوثيين» لتطلق على أوصاف كل المتسللين.. فاليوم تروى النكات عن أحد أصحاب البيوت الذي أمسك «متسللا» في منزله بالليل فأبلغ عنه بأنه حوثي! وطبعا هناك نكات تروى عن العلاقة بين القات والحوثيين: الأول يخزن والثاني يحزم (في إشارة للنهج الإرهابي المتبع منهم). وإيران التي ترغب في إصلاح كل جيرانها وغير جيرانها وتدعو للتظاهر والشجب والإنكار دون أن ترى ما إذا كان «باب النجار مخلع» أم لا (هذا إذا كان هناك باب أصلا!). والصومال الذي تفتق أذهان مرشدي الدين فيه والمفتين بالآراء عن تحريم حمالة الصدر النسائية (نعم حقيقة ورأي ديني أعلن) وطبعا هذا يجيء بعد الرأي الفذ بجلد مرتدية البنطال في السودان، والذي فتح الشهية كما يبدو لهكذا آراء متعجلة.. ولا يزال الحديث «المخلط» ومحاولة فك الاشتباك قائمين ما بين الخلوة والاختلاط، وما بين النقاب والحجاب.. ولا نزال عربيا نغفل التقييمات الصادمة في مجالات الأمية والفساد والنظافة والحرية والقضاء السوي.

كنت في أمسية جمعتني مع بعض الأحبة والأصدقاء الذين لم ألتقهم من زمن بعيد، ودارت كل هذه المواضيع التي ذكرتها وهي مواضيع تبعث على ضيق الصدر، وكان ابن أحد الأصدقاء جالسا بجوارنا مستمعا لكل ما دار، فسأله صديق «ها يا ابني.. أنت حين تكبر ماذا تريد أن تكون؟» فأدار الولد وجهه نحو السائل وقال بوجه جاهم وصوت حاد «بعد الذي سمعته منكم الليلة.. لماذا أريد أن أكبر أصلا!».

[email protected]