سلفيون أم شيعة لا يهم!

TT

جوقة إيران الإعلامية أرادت أن توهم العالم العربي والإسلامي بأن المعارك التي يخوضها الجيش السعودي على حدوده الجنوبية ضد عصابات الحوثيين هي حرب طائفية ضد الشيعة الزيدية، أي أنها وفقا لأدبيات الإعلام الإيراني أو «المتأيرن» من الصحف والفضائيات العربية، صورت دفاع السعودية عن ترابها الوطني على أنها معركة وهابية سلفية مع فرقة شيعية «حوثية» مضطهدة.

ولا تحتاج مثل هذه التهمة المتهافتة إلى كبير عناء لدحضها وتعرية مروجيها، لأن السعوديين منذ أكثر من عقد وهم في حرب ضروس مع عصابات التاءات الثلاث «التطرف والتكفير والتفجير» ممن ينتمون إلى تنظيم القاعدة أو يدورون في فلك آيديولوجيتها أو يتقاطعون معها في بعض الطرقات الفكرية، هذه الفئات يقينا تتدثر بدثار السلفية في أدبياتها، ومع ذلك فلم تحرك هذه الشعارات «السلفية» في السعودية «السلفية» شعرة واحدة لترحمهم أو تتردد في مطاردة فلولهم وسحقهم بدنياً وآيديولوجيا، لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء فهددوا الوطن من داخله فاستهدفوا مقاره الأمنية ومنشآته الاقتصادية ثم أخيرا رموزه السياسية، كما لا يوجد في السعودية «السنية السلفية» من يتعاطف مع هؤلاء الموتورين الرافعين لشعار «السلفية» إلا ندرة مريضة مأزومة في نفسها ولو خلا لهم الجو لأكلوا بعضهم مثل النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

العصابات الحوثية والعصابات السلفية التكفيرية التفجيرية في ميزان الأذى سواء، الأولى تحرشت بثغور الوطن وامتدت أصابعها القذرة داخل حدوده، والثانية فيها مواطنون مرضى أرادوا خلخلة الوطن من الداخل، فكان التعامل الصارم مع هاتين الفئتين المعتديتين بغض النظر عن الرايات العقائدية المرفوعة، ولعل من الصدف اللافتة أن معركة السعوديين مع العصابات الحوثية تجري أحداثها في شهر نوفمبر عام 2009 وهو نفس الشهر قبل ثلاثين عاما الذي تمكنت فيه السعودية «السلفية» من حسم معركتها مع جماعة كانت ترفع شعار «السلفية» والانتماء إلى «أهل الحديث» احتلت الحرم المكي، فكان التعامل الحاسم معها فأعدمت رموز الفتنة وأخمدت فتنتهم قبل النظر إلى انتمائهم العقائدي أو المذهبي.

مثيرو الشغب والمشعلون لنار الفتن ليس لهم راية مذهبية معينة، ولهذا ليس من المقبول لأي أحد وهو في معرض الدفاع عن الوطن وتعرية الحوثيين وفضح مخططات من يقف وراءهم إثارة البعد المذهبي الطائفي للقضية أو سب عموم المنتمين لهذا المذهب أو تلك الطائفة أو إضفاء المسميات الاستفزازية التي تحدث انقساما في وحدة الصف الوطني، الذي يعتبر ضرورة للوقوف ضد الخصم الخارجي الذي جعل من أهم أهدافه تقسيم الوطن الواحد وإضعافه وإثارة الفتن بين أطيافه وطوائفه، وعلاوة على أن أي طرح طائفي من شأنه أصلا أن يسمم الأجواء، فإن الخطورة في مثل هذا الطرح أنه يدفع بالمحايدين المسالمين إلى تبني مواقف مخالفة للإجماع الوطني، وهذا بالضبط ما تريده إيران وعصابتها الحوثية، وكان الأولى حصر النقد للمخططات الإيرانية لزعزعة استقرار الدول العربية التي لا تعاني من الإشكال الطائفي، كما تفعل في اليمن هذه الأيام، وفعلته مع دول أخرى. وقد لاحظنا في النموذج العراقي بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين وتلهف الذئب الإيراني المجاور لالتهام نصيبه من العراق الجريح، أن فئات من شيعة العراق كانت تقاوم بصدق التدخل الإيراني وتدعو إلى وحدة وطنية ضد هذا التدخل وتحاربه، لكن هذه الأصوات تاهت بعد إذكاء التناحر الطائفي الذي مارسه المتوترون من الطائفتين، وهذا درس مهم يجب أن يعيه الآخرون حتى لا تتكرر التجربة ويعود نفس سيناريو المآسي.