شيعة السعودية وشيعة غيرها

TT

ماذا يعني أن يدين الشيخ السعودي الشيعي حسن الصفار «عدوان» الحوثيين على الحدود السعودية، ويؤيد إجراءات الدفاع عن التراب الوطني السعودي. في نفس اللحظة التي يعتبر فيها الإسلامي الجزائري «السني» علي بلحاج أن السعودية في مواجهتها للحوثيين إنما تخوض حربا بالنيابة عن أميركا؟

مفارقة مدهشة فعلا..

الصورة لم تكتمل بعد، فبعد بيان إخوان مصر حول مشكلة الحوثيين مع السعودية، والذي هو في التحليل الأخير اصطفاف مع إيران وأذرعتها في المنطقة ضد السعودية، جاءت تصريحات الرمز الإخواني المقيم في أوروبا، كمال الهلباوي الذي انتقد السعودية وساند مرشد إخوان مصر مهدي عاكف في بيان التخذيل للسعودية، وقال الأخ الهلباوي: «كان الأجدر بمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تشكل فريقا من العلماء لتدرس الموقف وتدعو للصلح وحقن دماء المسلمين بدلا من أن تقف بجانب السعودية، وأن تتصرف باستقلالية ولا تكون أداة بيد السعودية».

لكن، وفي نفس جبهة الإخوان، لدينا بيان إخوان سورية الذي اعتبر الحوثيين مسمارا دُق لضرب البلاد العربية الإسلامية وأنه يجب على السعودية التصدي لهم، بيان معاكس تماما لمهدي عاكف ومن معه من إخوان مصر في الداخل والخارج. كما سلف شرحه في مقال الثلاثاء الماضي.

وفي الجبهة الشيعية السعودية لم يكن الشيخ المعمم حسن الصفار وحده في بيان المساندة الوطنية للسعودية، ربما على نقيض هوى بعض الصقور المحليين الذي تأخذهم الحماسة، دوما، مع كل من يرفع شعارا فيه «نكهة» آل البيت. فقد وقف المفكر السعودي الشيعي الدكتور توفيق السيف ومعه الكاتب والمثقف نجيب الخنيزي نفس الموقف.

السيف والخنيزي نفيا اتهامات الخارجية اليمنية حول دعم السعوديين الشيعة للمقاتلين الحوثيين في اليمن وشددا على مؤازرة الشيعة لبلدهم ضد أي اعتداء خارجي.

ونسب موقع (إسلام أون لاين) للكاتب والناشط السياسي البارز نجيب الخنيزي القول: «أرفض وأدين أي شكل من أشكال الاعتداء على أرض الوطن، من أي جهة كانت وتحت أي لون أو عنوان سياسي أو مذهبي». وشدد المفكر السياسي الدكتور توفيق السيف في تصريح للموقع بأن «موقف المثقفين الشيعة هو نفس موقف الحكومة السعودية»، مضيفا «نحن نؤيد ما تقوم به المملكة في الدفاع عن أرض الوطن وانتمائنا الوطني يسبق أي شيء».

وأكد المفكر توفيق السيف أن: «سلامة الأراضي الوطنية مسؤولية الحكومة والشعب، والشيعة هم جزء من هذا الشعب، وموقفنا هو الدفاع عن سلامة أراضي الوطن».

حسب نص الخبر المنقول عنهما في أكثر موقع إخباري.

وفي نفس الجانب الشيعي، لدينا نواب كتلة الوفاق الشيعية في البحرين الذين رفضوا إصدار بيان مساندة من البرلمان البحريني مع السعودية ضد من اعتدى على حدودها من الجماعة الحوثية بحجة عدم التدخل في شؤون دولة أخرى، أي اليمن، وكأن هؤلاء النواب ومن معهم لم يصدروا بيانات المساندة لحزب الله وحماس، وهما قطعا في دول أخرى ليست هي البحرين!

إذن الصورة هكذا: إخوان مصر والجزائر ومن تكلم منهم في أوروبا هم مع إيران والحوثيين ضد السعودية، وإخوان سورية وبعض إخوان اليمن (الزنداني) هم مع السعودية ضد الحوثية وإيران.

وأبرز رجل دين شيعي سعودي (حسن الصفار) ومعه مفكر رصين هو توفيق السيف، وكاتب شهير هو نجيب الخنيزي مع «وطنهم» السعودية، ضد من اعتدى على أرضها من الحوثيين، بينما نواب الشيعة في البحرين على العكس تماما، مثلما هو حال حزب الله في لبنان.

هل نقول إن حركات الإسلام السياسي تنشطر بسبب مشكلة الحوثي؟

وكيف نفهم هذا الانشطار إذا ما بقينا في صندوق التفسير الطائفي للأمور؟

أم نقول إنه يجب علينا أن لا نظل أسرى للتصنيف الطائفي، وأن لا نجعله هو المعيار الحاكم في فهم المشهد السياسي والفكري من حولنا؟

لدينا انشطار سني وانشطار شيعي حول الموقف من مشكلة الحوثيين مع السعودية، وفي الفريقين هناك سنة وشيعة، مع وضد.

يحسن إذن أن نجرب الدخول من باب آخر لفهم المشهد، غير باب التصنيف الطائفي الجامد.

لذلك أقترح أن ندخل من عدة أبواب لا من باب واحد، باب الانتماء الفطري الطبيعي للأرض، كما قال توفيق السيف أن السعوديين الشيعة هم مثل البقية يغارون على أرضهم، وهم مع بلدهم ضد من يعتدي عليه، وهناك باب الثقافة الوطنية الحديثة كما يشعر نجيب الخنيزي وهو يتحدث بحرارة عن الوطن. وهناك باب التجربة ونضج العمر كما تفوح عبارة الدكتور توفيق السيف، وهو من هو في التجربة السياسية والفكرية، عندما يقول: «مشكلة الحوثيين ـ كشيعة يجب التعاطف معهم ـ أمر غير حاضر في أحاديث المثقفين، والفصل بين المسألة المذهبية والوطنية واضح لدينا منذ زمن طويل. وقوله بأنه قد كانت هناك: «محاولات سابقة جرت لجر السعوديين الشيعة لمواقف مذهبية بهدف استعداء الحكومة ضدنا، ولكن هذا لم يحدث».

هو نضج التجربة وحكمة الأيام مع عقل دائم التساؤل غير هياب من خوض غمار الأجوبة الجديدة حتى ولو لم ترض الجموع «الهائجة دوما».

وهناك باب المصالح السياسية والاجتماعية للجماعة، كما يفصح موقف إخوان سورية المساند بحرارة للسعودية ضد الحوثيين عكس ما فعله إخوان مصر. إذ إن مصلحة إخوان سورية «الحالية» هي عكس مصلحة إخوان مصر فيما يخص الموقف من أزمة الحوثيين.

أما أخونا علي بلحاج فهو باستمرار في موقف صقري.

إن ميزة الدخول من أبواب متعددة لفهم وتفسير هذه المواقف هو أنه يكسر صلابة التفسير الواحد، وهو في حالتنا الذهنية السائد التفسير الطائفي المؤامراتي، سواء لدى السنة أو الشيعة، كلا الفريقين فقير في الخيال السياسي، فيبدو الأمر لدى الخيال الشيعي المريض أن هناك مؤامرة كبرى من النواصب والأمويين الجدد ضد آل البيت وأنصار الحسين، ويبدو الأمر في الخيال السني المقابل، والمصاب بذات العلة المرضية، أن هناك مؤامرة مجوسية رافضية تحت كل حجر، وأنه لا يمكن الثقة بشيعي، أو لنقل: لا يمكن تعريف الإنسان الشيعي إلا بشيعيته، بصرف النظر عن أي محدد آخر في الهوية، وبصرف النظر عن أن الإنسان لا يختار طائفته العائلية القدرية، لكنه يختار طريقة تفكيره السياسية.

الخاسرون في تأمل مشهد انشطاري مثل هذا الذي نرى في الموقف من الأزمة الحوثية، هم حراس التفسير الطائفي البحت للأشياء، الذين يفقرون الحياة وتعقيدها عبر اختزالها في لون تفسيري واحد، وليته حتى كان «تفسيرا» بل إبهاما وإفقارا لمجريات الأمور وكيفيات حصولها!

شكرا لتوفيق السيف وحسن الصفار ونجيب الخنيزي، ثم شكرا لكمال الهلباوي ومهدي عاكف وعلي بلحاج وعلي البيانوني، ونواب الوفاق الشيعية البحرينية.

شكرا لهؤلاء كلهم لأنهم برهنوا لنا كم صعب اختصار الدنيا ونوازع الإنسان في بعد واحد..

وكلمة أمانة أخيرة: الشكر مضاعف للصفار والسيف والخنيزي لأني أدرك مقدار الشجاعة التي ملكوها في السباحة عكس التيار، ولكنها سباحة باتجاه العقل والوطن.

[email protected]