مراوغات إيران النووية

TT

في الوقت الذي تبذل فيه إدارة أوباما جهودا مضنية للتعامل مع معضلة إيران، يجب عليها موازنة مخاوفها المتعلقة بالانتشار النووي مع مسؤولياتها الأخلاقية. فلم تتراجع حتى الآن الأزمة التي أعقبت الانتخابات في إيران بل إن النظام ما زال يعمل على الإقصاء المنهجي للمعارضة الديمقراطية.

ووسط محاولاتهم الوحشية لتعزيز سلطتهم، ينظر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وحلفاؤه إلى مناقشة البرنامج النووي كوسيلة لتقليل حدة الانتقادات التي أثيرت في أعقاب ممارساتهم الداخلية.

ومما لاشك فيه أن إيران سوف تسعى في الشهور المقبلة إلى إطالة المفاوضات من خلال التوصل لاتفاقات ثم العودة عنها وتقديم عدد لا يحصى من العروض البديلة. ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يقرروا كيف سيتعاملون مع المراوغة الدبلوماسية الإيرانية التي تتجلى في السلوك المتشدد حيال المعارضة السلمية من دون التعرض للعقاب.

وفي وقت تنصب فيه مهام التفتيش الدولي على برنامج إيران النووي، تتغير بنية وتوجهات الحرس الثوري بشكل جذري. حيث يؤسس النظام في طهران البنية التحتية للقمع؛ فقد أجرت القيادة الإيرانية تغييرات بين قيادات الحرس الثوري وميليشيات الباسيج شبه العسكرية هدفها توجيه الجانب الأكبر من جهودها بحثا عن مؤامرات خيالية يحيكها طابور خامس لا وجود له. وقد حذر بالفعل محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني في خطاب له الشهر الماضي من أن تلك التغيرات الهيكلية تستهدف «القضاء على الانقسامات الثقافية ومعارضة الحرب الناعمة». ولمراقبة حملة القمع الجديدة، تم تعيين محمد رضا نقدي الذي كان نائب رئيس جهاز استخبارات فيلق القدس كرئيس للباسيج. وقد حصل حسين طيب القائد السابق سيئ السمعة للباسيج على منصب قائد مكتب استخبارات الحرس الثوري؛ وكلاهما كان متورطا في أعمال تعذيب وحملات اغتيالات سواء في الداخل أو الخارج كما أنهما قاما بحبس الصحافيين والسياسيين الإصلاحيين بتهم مختلقة. ومن أبرز السمات السائدة بين جيل الشباب الإيراني المحافظ إظهار المدى الذي يستطيعون بلوغه في إحياء بداية الثمانينات؛ وهي الفترة التي يراها معظم المراقبين الموضوعيين للوضع الإيراني باعتبارها فترة غزو أجنبي وتمييز عرقي وانقسامات اجتماعية، بينما ينظر إليها قادة القوات الأمنية الإيرانية والعديد من السياسيين الحاليين بمن فيهم أحمدي نجاد باعتبارها الفترة التي حققت فيها الجمهورية الإسلامية مهمتها السماوية من خلال الإيمان والالتزام. ولمواجهة قوى العلمانية والليبرالية ـ كما يفكرون ـ أعلنت دولة الفضيلة عن إطلاق سراح الإرهاب ـ من خلال العنف والثورة الثقافية ـ وتمكنت من تطهير الدولة.

وفي الوقت الذي يحاول فيه النظام إحكام قبضته على السلطة، تتحرك الجمهورية الإسلامية مرة أخرى في اتجاهات متناقضة. ومن جهة أخرى، فإن دولة رجال الدين تطعن وتتهم معارضيها بأنهم عملاء للغرب، وفي الوقت نفسه تعبر عن رغبتها في التواصل مع القوى الأجنبية. كما أدركت القيادات الثيوقراطية من الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران)؛ أنه في عصر الشبكات الاجتماعية وغيرها من وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة، سوف تنكشف سياستهم الكريهة على المستوى الدولي. حيث يمكن أن تؤدي صور الاعتداء على المتظاهرين أو قصف المدن الجامعية إلى مطالب دولية بفرض المزيد من العقوبات ونبذ الدولة الثيوقراطية المعزولة بالفعل. ولتخفيف حدة تلك المطالب، ربما تعرض طهران في بعض الأحيان مناقشة القضية النووية لتهدئة القوى الغربية قبل التحرك ضد المفاعلات النووية التي ما زالت موجودة. وتتمنى القوى الموجودة في إيران أن تمتد تلك المفاوضات وتدفع الغرب لخفض حدة انتقاداته أو فرض عقوبات على انتهاكات إيران لحقوق الإنسان.

لقد كان التعامل مع إيران دائما هو ملف معقد محفوف بالمخاطر الأخلاقية. وكان الخطأ الأخلاقي المستمر الذي يقترفه الغرب هو وضع القضية النووية فوق كل القضايا الأخرى؛ فمعضلة إيران لا تقتصر على نشاطاتها النووية غير الشرعية كما أنها مبهمة إلى الحد الذي يجعل الولايات المتحدة وغيرها من الدول تفكر في عمليات نووية مشتركة مع نظام تربطه صلات مع عدد من المنظمات الإرهابية ومتورط في عمليات قمع محلية وحشية. ولكن المسؤولين الغربيين لديهم من الذكاء ما يسمح لهم بإدراك أن قضية إيران النووية ليست هي الاختلاف الوحيد معها. فيجب أن يعرف المتشددون في إيران أنهم عندما يشنون عمليات القمع التي تم الترويج لها فربما يكون الثمن هو إنهاء أي حوار مع الغرب. ومن خلال تلك السياسات فقط تستطيع الولايات المتحدة أن تتقدم صوب أهدافها الاستراتيجية وفي الوقت نفسه تلتزم بقيمها الأخلاقية.

* زميل في مجلس العلاقات الدولية ومؤلف كتاب «حرس الثورة: إيران والعالم في عصر آية الله»

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»