نتنياهو يقاتل أوباما داخل «قلعة» الكونغرس

TT

هل هي معركة بين رجلين، الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتنياهو، أم أنها أزمة بين دولتين أي أميركا وإسرائيل؟

بالتأكيد إنها معركة بين الرجلين. لكن من المؤكد أنها لن تؤدي إلى أزمة بين الدولتين، لأنه في استطاعة «حصان طروادة الصهيوني» داخل القلعة الأميركية، أن يصون دائماً سياسة الرعاية والاحتضان التي تطبقها واشنطن حيال إسرائيل.

إذن إنها معركة عضّ الأصابع بين أوباما ونتنياهو، وكانت قد بدأت مباشرة بعد خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة، حيث دعا بلهجة حازمة إلى وقف حركة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كمدخل ضروري لاستئناف المفاوضات وإنجاز التسوية على قاعدة مبدأ قيام الدولتين.

منذ ذلك الحين شنت إسرائيل وقوى الضغط الصهيونية في واشنطن حملة قاسية ضد أوباما حتى في داخل الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه، كما في الصحف ووسائل الإعلام. وفي المقابل حاول أوباما كسب تأييد بعض القوى الصهيونية إلى جانب خطته للتسوية، حيث برز التجمع اليهودي المعروف باسم «جي ـ ستريت» في مقابل «ايباك»، ولكن ذلك لم يؤدِ إلى أي نتيجة تذكر حتى الآن.

لقد فشلت كل محاولات البيت الأبيض على مدى تسعة أشهر لوقف الاستيطان. ثم وصل الأمر إلى حد التقهقر والكلام السلبي الذي أعلنته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في إسرائيل من أن «تقييد» الاستيطان يشكل موقفاً متقدماً وغير مسبوق، في حين أن المطلوب هو «وقف» الاستيطان كما تنص «خارطة الطريق».

نتيجة كل هذا، جاء إعلان الرئيس محمود عباس عزوفه عن الترشح للرئاسة مجدداً، ليشعل ناراً في العلاقات بين أوباما ونتنياهو، وهو ما ظهر جلياً في خلال زيارة هذا الأخير إلى واشنطن والمعاملة المهينة التي لقيها من البيت الأبيض.

عملياً تقول معلومات خاصة ودقيقة من واشنطن إن نتنياهو كان قد أوصل إلى أوباما عبر القوى الصهيونية في الإدارة الأميركية، أنه إذا استمر في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، فإنه لن يتمكن من إقرار أي تشريع يقدمه إلى الكونغرس، وكذلك عليه منذ الآن أن لا يفكر بإمكان تجديد ولايته، وليأخذ العبرة من جورج بوش الأب، الذي عوقب بهذا الأمر لأنه ووزير خارجيته جيمس بيكر، رفضا منح إسرائيل 10 مليارات دولار على شكل ائتمان قروض لحركة الاستيعاب أو الاستيطان وكان وزيرها آنذاك ارييل شارون، لم تقبل بتفكيك مستوطناتها في سيناء.

ومع عجز أوباما عن إقناع نتنياهو بوقف الاستيطان تمهيداً لإعلان مبادرته للتسوية الشاملة في المنطقة، نشرت سلسلة من التقارير المسربة من مكتب نتنياهو تبث شعوراً بالانتصار وبأن هذا الأخير تمكن عملياً من لي ذراع الرئيس الأميركي.

عند هذا الحد طفح كيل أوباما، وخصوصاً قبل 10 أيام، عندما حاول نتنياهو أن ينصب كميناً للرئيس الأميركي ليجبره على اللقاء به على هامش مؤتمر «الاتحادات اليهودية في الولايات المتحدة». كانت خطة نتنياهو الأصلية تقضي بإلقاء خطابه أمام المؤتمر فيما خصص يوم الاثنين الذي يليه لباراك أوباما. وحين استلمت إدارة المؤتمر تأكيداً من الإدارة الأميركية بأن الرئيس سيحضر ويلقي خطاباً وتأكد مكتب نتنياهو من مواعيد الكلمات المقررة، وصل إلى إدارة المؤتمر بعد فترة وجيزة طلب من مكتب نتنياهو بتأجيل موعد خطابه ليتلاءم مع موعد خطاب أوباما.

وحين اتصلت إدارة المؤتمر بمسؤولي الإدارة الأميركية وأعلمتهم برغبة نتنياهو تنظيم اجتماع مع أوباما وراء الكواليس، أحست الإدارة بأن هناك محاولة إسرائيلية لتحديد جدول أعمال الرئيس أوباما. فكان أن ردت مؤكدة أنه إذا أراد نتنياهو الخطاب يوم الاثنين فإن أوباما سيصل يوم الثلاثاء، مما أجبر منظمي المؤتمر على إعادة صياغة الدعوات وإرسال مئات الرسائل الإلكترونية التي تضمنت المواعيد الجديدة.

ونشرت الصحف الأميركية تصريحاً لمسؤول رفيع المستوى على علاقة بإعداد خطاب أوباما جاء فيه: «منذ متى يحددون لرئيس الولايات المتحدة اجتماعا دون أن يعلم به، وإذا أراد رئيس الولايات المتحدة رؤية رئيس دولة ما يرسل له دعوة وليس رئيس الدولة من يدعو نفسه».

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «شعر مسؤولو البيت الأبيض بالدهشة والصدمة حين علموا بأن نتنياهو سيصل إلى واشنطن وأنه سيلتقي الرئيس أوباما، مؤكدين أن مثل هذا الاجتماع سيتم في نهاية الأمر، لكن في الوقت الذي يختاره أوباما».

في النهاية حصل ذلك اللقاء الذي تعمّد البيت الأبيض أن يجعل منه مناسبة لإغراق نتنياهو في الإحراج والتصبب عرقا لأنه عومل بكثير من مؤشرات الازدراء، وهذا يؤكد وجود قرار واضح اتخذه أوباما على ما يبدو للرد على غطرسة نتنياهو.

طبعا كل التفاصيل المتصلة بذلك اللقاء أصبحت معروفة، فقد اختير للقاء موعد متأخر ليلا، وهذا يتنافى مع السياق المعروف للقاءات الرئيس الأميركي. ولم يسمح للمصور الإسرائيلي بالتقاط صور، بينما رفض البيت الأبيض بث صور التقطها مصوره الخاص.

فكتبت صحيفة «هآرتس» تقول: «لقد أراد البيت الأبيض أن يرى نتنياهو يتصبب عرقا قبل الحصول على موعد مع أوباما. وتعمد أن يراه العالم بأسره وهو غارق في عرقه».

ولكن مستشار رئيس الحكومة السابق ارييل شارون، دوف فايسغلاس يقول: «هناك أمر واحد لا نقاش فيه، هو أن ثمة شيئا ما حصل في اللقاء المغلق في البيت الأبيض. إن لقاء طويلا وعلى انفراد لم يُسمح حتى لمصور مكتب الصحافة الرسمية بالدخول إليه، من شأنه أن يفيد إما بوجود أزمة عميقة جدا وطريق مسدود وأن الطرفين غير معنيين بتفاقمها نتيجة نشر معلومات عنها، وإما أن العكس هو الصحيح. بمعنى أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات بعيدة المدى من شأنها أن تُحدث أزمة داخلية في إسرائيل، لذلك ليس ثمة مصلحة في نشرها». ولفت إلى أن «الزمن هو الذي سيكشف الحقيقة».

في أي حال تبدو المعركة مفتوحة على مداها بين أوباما ونتنياهو. والذين يعرفون الوقائع الموضوعية داخل «الاستابلشمنت» الأميركي يقولون إنه لو لم يكن أوباما قد تمكن من تمرير مشروع الرعاية الصحية في مجلس النواب، وهو ما يعطيه دعما شعبيا كبيرا في الولايات المتحدة، لما كان قد عامل نتنياهو بما يستحق من الازدراء.

لكن القوى الصهيونية تسارع الآن إلى محاولة قطع الطريق على هذا المشروع في مجلس الشيوخ. ولهذا كان لافتا جدا أن يذهب الرئيس السابق بيل كلينتون إلى مبنى مجلس الشيوخ لتناول الغداء مع الأعضاء الديموقراطيين بهدف إقناع المترددين منهم بضرورة تأييد مشروع أوباما. ومن النادر فعلا أن يتوجه رئيس سابق إلى الشيوخ مناشداً تأييد المشروع بعد مرور 15 عاماً على رد مشروع مشابه كان قد قدم في خلال ولايته

من يلوي ذراع من؟ سؤال سيبقى مطروحا في هذه المرحلة لكن هناك حاجة ضرورية إلى التوقف أمام أمرين:

أولا: حرص البيت الأبيض على التأكيد أن الخلاف ليس أزمة بين الدولتين. ولهذا قرأ الناس أنباء الاجتماع المحرج إلى جانب تصريح أدلى به كبير موظفي البيت الأبيض اليهودي المتحمس رام عمانوئيل الذي قال: «في الشرق الأوسط نحن ندعم حليفتنا، إسرائيل، وكما قال أوباما في مصر فإن العلاقة بين أميركا وإسرائيل أبدية. وهي ترتكز إلى مبادئ محددة وغدت أقوى. وأن طريق الحوار فقط يمكن أن يوصل للسلام الذي نريد وهذا وقت حرج. نحن نريد تحقيق دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بأمن وسلام. وإسرائيل لن تسير وحدها، ولذلك فإن الولايات المتحدة ضالعة وتقف إلى جانب إسرائيل كصديق حقيقي في كل خطوة تأخذ فيها مخاطر. وعلى الفلسطينيين أن يفهموا حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ويوقفون العنف».

ثانيا: أن إعلان الرئيس الفلسطيني عزوفه عن الترشح لولاية جديدة أشعل فعلا النار في سيكولوجيا التعامل بين واشنطن وتل أبيب، على خلفية المخاوف المتزايدة بأن إغلاق الأبواب في وجه مشاريع التسوية المعطلة بسبب سياسات إسرائيل، سيفتح نوافذ المنطقة العربية كلها أمام تيارات التصلب والعودة إلى مناخ ما قبل «اتفاق أوسلو» أي الكفاح المسلح والنضال. وهو ما تؤكده الدعوات الفلسطينية إلى العودة إلى مبدأ الدولة الواحدة بدلا من الدولتين، بما يعني غرق الشرق الأوسط في الحروب قرناً جديداً وهو ما يلهب العالم كله.