وقد احتفلوا

TT

«احتفل» لبنان «بالعيد» السادس والستين للاستقلال، يوم أرسل شارل ديغول معاونه، الجنرال جورج كاترو، يرجو اللبنانيين التمهل قليلا في الانفصال عن الانتداب الفرنسي. كان الجواب: الآن الآن وليس غدا. استقل البلد الصغير مع الدول العربية الكبيرة: مصر وسورية والعراق، فيما كان معظم العالم العربي، مشرقا ومغربا، تحت الاستعمار أو الوصاية الدولية (ليبيا). أصبح لبنان عضوا مؤسسا في الجامعة العربية وشارك مشاركة تاريخية في وضع ميثاق الأمم المتحدة، ممثلا برجل يحمل 68 شهادة دكتوراه في الفلسفة، شارل مالك، الذي وضع أيضا تعريف «الدبلوماسية» للانسيكلوبيديا بريتانيكا، من 25 ألف كلمة.

كان لبنان المستقل نموذجا للدول المقبلة على الحرية، من الهند التي ستشهد بعد الاستقلال أفظع حرب طائفية، إلى أيرلندا الشمالية. وكان نموذجا للدول المتقدمة، نوابه ووزراؤه من نخبة القوم، وعاصمته تزدهر فيها الفنون والثقافات والتجارة والطبابة والجامعات. وسرعان ما أصبح الغربيون يسمونه «سويسرا الشرق» ويسمون بيروت «باريس الشرق».

وتراكمت في متاحفه كتابات كبار أدباء أو شعراء أوروبا الذين تدفقوا على جمالياته منذ القرن السابع عشر. ورست وأبحرت من موانيه بواخر السياح وكأن بيروت ميناء أوروبي آخر. وتحول إلى مطار للعالم العربي وإلى ميناء اقتصادي وإلى مصيف جميل. واستعاض البلد الضعيف عن قلة الثروات الطبيعية بوفرة الطاقات البشرية. وحول اللبناني الشاطر الخدمات إلى صناعة كبرى. وجعل من الحمص بطحينة دخلا قوميا. وصار في كل زقاق مطبعة تطبع أو تجلد الكتب الذاهبة إلى العالم العربي.

العامان الماضيان، أغلق مجلس النواب أبوابه. وذهب جميع سياسيي لبنان إلى قطر، بسبب استحالة اللقاء في عاصمتهم. وبقي لبنان زمنا وهو عاجز عن انتخاب رئيس جمهورية، وزمنا آخر وهو عاجز عن تشكيل حكومة. ولبنان المستقل تملأ القوات الدولية حدوده.

ولبنان المستقل توسطت جميع دول الأرض من أجل أن يتفق أحرار لبنان على وزارة الاتصالات أو وزارة الكهرباء أو وزارة التنظيفات. وبوقاحة لا مثيل لها إلا في لبنان «احتفل» اللبنانيون بعيد «الاستقلال».