إيفيتا الأميركي

TT

ما من قوة على وجه الأرض بمقدورها منع سارة بالين من التحول إلى النسخة الأميركية المصغرة من إيفيتا بيرون (امرأة أسطورية ساحرة تغلب المأساة على حياتها، لكن من دون عنصر المأساة في حالة بالين). وفي نهاية الأمر، سيعكف ملحن ماهر على تأليف فيلم موسيقي عن حياتها. وستتضمن توجيهات التمثيل عبارة «سارة تطلق النار ليسقط حيوان الموظ قتيلا».

من غير المجدي تجاهل بالين، مهما كان نبل الدوافع القائمة وراء محاولات التجاهل، ذلك أنها تعد بمثابة ظاهرة، وربما لا تكون هناك أدنى أهمية وراء حقيقة إيمان الكثيرين بأنها تشكل مقدمة للانهيار الأخير للحياة السياسية الأميركية وتحولها إلى ساحة لاستعراض العواطف الواهية. ومع ذلك، ستتمكن الجمهورية من البقاء بعدها، فعلى أي حال من غير المحتمل أن تتقلد في يوم من الأيام منصب القائد الأعلى. وكشف استطلاع أخير للرأي أجرته «الـبوست» بالتعاون مع «إيه بي سي نيوز» اعتقاد 60% من الأميركيين أن بالين غير مؤهلة لتولي رئاسة البلاد، وأكد 53% منهم أنهم «قطعا» لن يصوتوا لصالحها.

إلا أنه من المثير للدهشة أمر الـ37% الذين سيفكرون في التصويت لها. أما فيما يخص الـ9% الذين سيصوتون لصالح بالين «قطعا»، فإنهم نسبة تكفي لأن يطلق عليها حركة ـ على غرار أنصار إيفيتا الذين استأمنوها على آمالهم وأحلامهم، الذين عرفوا باسم «ديسكاميسادوس»، أو «من لا يرتدون قمصانا».

ومع أن أنصار بالين بمقدورهم شراء قمصان، فمن الواضح أنهم يسيطر عليهم الشعور بالتعرض لظلم وتجاهل شديدين، وأنه يجري التحكم فيهم من جانب قوى لا سبيل لهم للسيطرة عليها لدرجة أنهم على استعداد لأن يغفروا لها جميع عيوبها والخيانات التي تتورط بها. ما يهم هنا هو «التغريد خارج السرب» ـ ليس الكتاب ذاته الذي جاء اختيار عنوانه موفقا، وإنما استعداد بالين لإقحام نفسها في قضايا سياسية واجتماعية.

في الواقع إن سعي بالين للخروج عن التيار السائد على نحو حاذق أشبه بفن أدائي. جدير بالذكر أنه في الليلة السابقة ليوم الانتخابات، قدمت الممثلة الكوميدية تينا فاي، التي تحمل شبها قويا ببالين، عرضا كوميديا تميز بمستوى مذهل من استشراف المستقبل قامت فيه بدور بالين وتعهدت خلاله بعدم الرحيل قط، معلنة تنبؤها بأنها إما ستتقلد منصب الرئيس أو ستتحول إلى «نسخة بيضاء من أوبرا». وبالفعل، نجد أن بالين الحقيقية أعلنت عن كتابها الأخير عبر برنامج أوبرا.

بالتأكيد، ستبلي بالين بلاء حسنا حال عملها كمذيعة لبرنامج حواري، لكن طموحاتها تتجاوز ذلك بكثير. في الواقع، ربما يتضح في النهاية أن تأثيرها الأكبر يحمل، مثلما كان الحال مع إيفيتا، طابعا اجتماعيا أكثر منه سياسيا. الملاحظ أن بالين تتناول الكثير من القضايا العامة المثيرة للسخط، وتتحدث بلسان العناصر المحافظة اجتماعيا، التيار الذي بات يمثله الجمهوريون منذ أمد بعيد الذين يعمدون إلى التهديد بمعارضتهم قضايا مثل الإجهاض وحقوق المثليين أوقات الانتخابات، بينما لا يفعلون في حقيقة الأمر أي شيء حيالها. وتتحدث بالين بصوت الأميركيين من أبناء المدن الصغيرة والمناطق الريفية الذين يشعرون بأن قضاياهم تتعرض للتجاهل. وتتحدث بلسان الصيادين الذين يخشون من أن «واشنطن» تسعى لمصادرة أسلحتهم.

على خلاف الحال مع منتقديها ـ من جمهوريين وديمقراطيين ـ لم ترتد بالين أي من جامعات الصفوة الثماني المعروفة باسم «رابطة اللبلاب»، وإنما شقت طريقها عبر التعليم العادي، مثل الكثير من الأميركيين. وتمثل بالين المرأة التي تناضل لتولي رعاية شؤون أسرة معقدة وحياة مهنية صعبة. ويمكن القول بأن هذا أهم العناصر المرتبطة بشخصية بالين، ذلك أنها تلقى صدى لدى الكثير من الأميركيات الذين يرون انعكاسا لنضالهم اليومي في حياة بالين.

الملاحظ أن التوجه النسوي لبالين مرتبط بدرجة وثيقة بالمواقف التي تظهر على أرض الواقع. على سبيل المثال، أعربت بالين عن تضمانها الأخوي مع هيلاري كلينتون، من بين كل الناس، لما تحمله من عبء إضافي كمرشحة لمنصب سياسي، خاصة فيما يتعلق بما عليها ارتداؤه من ملبس أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. لكن هذا العبء خف عن كاهل بالين بمبلغ الـ150.000 دولار الذي خصصته الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة لملبسها. إلا أن أنصار بالين المخلصين لا يأبهون لذلك. وينظر هؤلاء إلى نهج بالين غير التقليدي وفكرها غير المصقول باعتبارهما دليلا على صدقها، باعتبار أننا جميعا نعلم أناسا مروا بفترات صعود وأفول في حياتهم وعاجزين عن التعرف على كازاخستان على الخريطة. ويرون في نجاحها إلى الآن انتصارا للصدق على الكياسة. في اعتقادي أن ذلك ليس كافيا للوصول بها إلى مقعد الرئاسة. ومع ذلك، فإن الآخرين الساعين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لهم في الانتخابات الرئاسية القادمة يحطون من قدرها، بما يعرضهم أنفسهم للخطر.

قرب نهاية حياتها، ألقت إيفيتا بيرون خطابا شهيرا تعهدت خلالها بقولها: «سأعود، وسأجني الملايين!» وبالفعل، عادت سارة بالين ـ إيفيتا الأميركية ـ وستجني الملايين.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»