لسابع مرة: توفيق الحكيم!

TT

يوم لا أنساه. فقد ذهبت إلى توفيق الحكيم وأبدى أسفه الشديد لما حدث.

فما الذي حدث؟ أصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بفصلي من عملي: رئيسا لتحرير مجلة «الجيل» ومدرسا للفلسفة بالجامعة. أما أسباب الفصل فهي أنني كتبت مقالا عن مسرحية توفيق الحكيم «السلطان الحائر».. وقد عرفت هذا السلطان الحائر من كتاب لمصطفى صادق الرافعي. رواه على أنه من النكت. ثم قرأت تفاصيل الخبر في كتاب «بدائع الزهور» للمؤرخ المصري ابن إياس. يحكي أنه: كان يا ما كان في سالف العصر والأوان قاض سوري في مصر اسمه قاضي القضاة العز بن عبد السلام.

وهذه هي النكتة التاريخية: أعلن العز بن عبد السلام أنه لا يجوز للعبيد أن يحكموا الأحرار. وبناء عليه فالسلطان والمماليك جميعا الذين يحكمون مصر يجب أن يتخلوا عن مناصبهم وأن يبيعهم قاضي القضاة ويضع الثمن في خزانة الدولة والذين اشتروهم يجب أن يحرروهم ليعودوا إلى الحكم. وأن يباع السلطان أيضا.

ولكن توفيق الحكيم أعاد صياغة القصة وجعلها مسرحية بديعة الحوار والمسلسل كما يفعل الحكيم في كل مسرحياته.. المسرح العقلي الذي قدمه توفيق الحكيم. واختار إحدى الغانيات لتشترى السلطان. وهو الفصل الأخير من المسرحية البديعة. وراح يلعب ويتلاعب بالسلطان وبالغانية. وأفلح توفيق الحكيم في أن يضحك الناس على السلطان وعلى زماننا أيضا..

وظهرت هذه المسرحية أثناء بلبلة واضطراب صحفي شنيع. فقد صدر قرار تأميم الصحافة. فأصبحت الصحف ملكا للدولة وفى كل صحيفة رقيب. وهو موظف بسيط لديه أوامر خشنة ينفذها بلا مرونة. وإلا فلن تصدر الصحيفة أو المجلة..

وفى نهاية مقالي جاءت هذه العبارة: ووقف العز بن عبد السلام راكبا حماره على حدود مصر.. هو نيابة عن العلماء والحمار نيابة عن الشعب المصري؟!