السلام مرتبط بالقدس والحرب بقنبلة إيران!

TT

صورتان يعطيهما محدثي، المصدر السياسي الغربي، العائد من زيارة شملت رام الله وتل أبيب. صورة قاتمة جدا وصورة متفائلة محدودة، هي نوع من التحدي أو الصراع مع المجهول.

الصورة «المتفائلة» تبدأ بأن لا حل سياسيا قريبا، ولكن من غير الضروري أن تبقى الأمور مرهونة بالحل السياسي، وإذا أراد الفلسطينيون دولة مستقلة وحرة وديمقراطية يجب أن يكون اقتصادها قويا. وهناك إجماع بين كل الفئات الإسرائيلية (حكومة وقطاع خاص) على الدعوة إلى تعاون اقتصادي مع الفلسطينيين، ففي رأيها ليست هناك صلة مباشرة ما بين السياسة والاقتصاد عكس الحال لدى الطرف الفلسطيني، حيث الارتباط قوي بين الاقتصاد والسياسة.

حدثني عن غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، حيث التعاون قائم بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية ورجال أعمال إسرائيليين وفلسطينيين. هناك أكثر من 14 ألف فلسطيني لديهم ما يسمى بالـ«بيزنس مان كارد» وهذا عبارة عن تصريح دخول إلى كل إسرائيل، أما نوع الأعمال التي تهم الفلسطينيين فهي البرمجة والتكنولوجيا العليا، بيع المواد الغذائية والزراعة، فالسوق الفلسطيني مرتبط بشكل كامل بالسوق الإسرائيلي، 65% من الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالتجارة مع إسرائيل، ثم إن السوق الفلسطيني يحتل المرتبة الثانية للصادرات الإسرائيلية بعد أميركا وقبل الاتحاد الأوروبي.

حاليا يجري تدريب الفلسطينيين في الشركات الإسرائيلية لنقل الخبرة إلى شركائهم لاحقا، وليتمكنوا من خلق قطاع تكنولوجيا عليا خاص، فهذا الفرع هو الأسهل لأنه لا يحتاج إلى مصانع أو تمويل كبير، بل إلى الخبرة والمعرفة، والكسب فيه أوفر من ذلك في الصناعات التقليدية كالألبسة والأحذية، وهناك دعم أميركي لهذه المشاريع.

كما يجري بناء مدن صناعية، هناك مشروع فرنسي في بيت لحم ومشروع ياباني في أريحا ومشروع ألماني في جنين، ويقوم مشروع أريحا حول الزراعة وتصدير البضائع الفلسطينية إلى الأردن والخليج ولاحقا إلى أميركا، وهناك اهتمام كبير من الدول المانحة بأن تكون المناطق الصناعية هي الرائدة للاقتصاد الفلسطيني.

وأسأل محدثي عما إذا كانت المراهنة أن يخرج من صفوف الاقتصاديين الفلسطينيين زعماء سياسيون، ينفي الأمر لأن الأوساط السياسية الفلسطينية لا تسمح بذلك. يعطي مثلا سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني ويتساءل عن تأثيره على السياسة الفلسطينية.

هناك عوامل كثيرة تلعب دورا في السياسة الفلسطينية، هناك المنظمات الكثيرة، التيارات الداخلية في حركة فتح ثم «إن علاقات محمود عباس بسلام فياض متوترة».

يخبرني عن رام الله، حيث الأجواء فيها مشجعة والأوضاع هادئة، ولا شعارات على جدران شوارعها، ناسها يريدون إعطاء فرصة للاقتصاد وكل التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني سيكون أفضل هذا العام. ويقول إن كل الدول المانحة والمجتمع الدولي يثقان بقدرات سلام فياض لبناء دولة فلسطينية مستقلة. لكن المشكلة تدور حول مكانته داخل الجبهة الفلسطينية الداخلية. و«من يقول إن فياض قد يكسب الانتخابات إذا جرت الآن وخاضها بكتلة سياسية جديدة؟ هو لم يحظ بدعم في الانتخابات الماضية».

المشكلة الأخرى التي على الأبواب الآن هي: ماذا سيحدث عندما سيغادر محمود عباس الساحة الفلسطينية بعد ثلاثة أو أربعة أشهر؟ وماذا إذا قرر سلام فياض الاستقالة؟

يتردد اسم مروان برغوثي، هذا إذا أُفرج عنه، يقول محدثي، إن وزراء وسياسيين إسرائيليين يزورون برغوثي في السجن، وإن هناك فئة داخل إسرائيل ترى أنه الأفضل للمفاوضات، وترد فئة أخرى بأنه لا يمكن إطلاق سراحه لأنه سيعود إلى الكفاح المسلح.

يقول إن تساؤل إسرائيل حول ما يريده الفلسطينيون يعود إلى الجدال داخلها عما ستكون عليه حدود القدس العربية. «هناك جدال حول تعريف حدود القدس». يطرحون: المدينة القديمة، الأحياء المسيحية والإسلامية «لكن ماذا بالنسبة إلى الحي الأرمني فهل سيكون داخل الحدود الفلسطينية». يواصلون: ماذا سيحل بحائط المبكى الذي كان تحت السيطرة الأردنية حتى عام 1967، وإسرائيل لن تعيد حائط المبكى. ثم هناك مشكلة السيادة على الأماكن المقدسة. الفلسطينيون يريدونها لهم، الفاتيكان غير موافق على ذلك في ما يتعلق بالأماكن المقدسة المسيحية، يفضل التدويل، وإسرائيل ترفض التدويل، أيضا أين ستكون العاصمة الفلسطينية أبو ديس أو القدس العتيقة، وهل سيكون أبو ديس وسور باهر (حي عربي) داخل حدود القدس أو خارجها في الدولة الفلسطينية.

يقول محدثي رغم أن كل زعيم في إسرائيل، باستثناء ايهود باراك، قال إن القدس لن تقسم، فإنه شعر بأن لا مشكلة إسرائيلية في التنازل عن أبو ديس أو الأحياء العربية في القدس العتيقة، لكن هل سيقبل الفلسطينيون بهذا الحد فقط؟

ويبدو أن ما سمعه المصدر الغربي خلال جلساته مع المسؤولين الإسرائيليين دار حول الرغبة الفلسطينية في السيادة على الحرم الشريف في حين أن هناك مصالح عربية أخرى، «فإن للأردن دورا مميزا، وهذا معترف به في اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل»، كما أنه سئل: من هو رئيس لجنة القدس؟ وجاء الجواب: ملك المغرب، أما القرار النهائي حول مستقبل القدس فيعود إلى السعودية، وقيل له: هناك أيضا وجهة النظر الإسلامية، فالعرب ليسوا كل المسلمين؟

وأسأله عن خلفيات الموقف ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ يقول إن هناك عدة أسباب، والسبب الرئيسي أنه ديمقراطي وليس جمهوريا، «ويبدو أن جذوره الإسلامية لعبت دورا»، كذلك وجهة نظره بالنسبة إلى الشرق الأوسط، وهل هو متعاطف مع إسرائيل، فالرئيس السابق جورج دبليو بوش كان تعاطفه شخصيا مع إسرائيل.

لم تشعر إسرائيل بارتياح إلى الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة، يضاف إلى ذلك موقفه من الأزمة الإيرانية. يقول محدثي إنهم سألوه، لماذا يريد أوباما الحوار مع إيران ويرفض تهديدها علنا، وهل يريد التفاوض معها إلى ما لا نهاية، ثم لماذا يريد الانفتاح على سورية من دون سؤال. شعر أن التوتر قائم بين تل أبيب وواشنطن «لكن لم تصل العلاقات إلى حائط مسدود»، ويضيف: «أن العلاقة الإسرائيلية مع أميركا مرتبطة بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، هي تراقب الآن انهيار شعبية أوباما داخل أميركا». ويردد المسؤولون الإسرائيليون: إن العلاقات بين إسرائيل وأميركا أرسخ مما يعتقد العالم العربي، فهي غير مبنية على شخصية الرئيس، إنما على المؤسسة الأميركية وعلى المصالح والتاريخ والتشابك في الحضارات.

إذن مشكلة المستوطنات ستتفاقم، أسأله، يجيب: نعم، كما أنه لاحظ أن الإسرائيليين لا يريدون الانسحاب من الجولان، فالتفكير الإسرائيلي بالنسبة إلى معادلة السلام تغير بشكل جذري.

الهدوء صار يعني السلام وهناك سلام على جبهة الجولان، حسب هذا المفهوم، منذ عام 1974. لاحظ أن هناك فئة إسرائيلية كبيرة لا تدعم السلام مع سورية مقابل الانسحاب من الجولان، وفي المقابل هناك فئة مستعدة لدعم الانسحاب من الجولان شرط أن تقطع دمشق تحالفها مع طهران ليحل بين إسرائيل وسورية سلام بارد كالقائم مع مصر. باختصار: تقطع سورية علاقتها نهائيا مع إيران، تنسحب إسرائيل من الجولان. هذا ما أبلغته إلى تركيا وإلى فرنسا وأيضا إلى الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي أبدى استعداده للعب دور الوسيط.

هنا يعطيني محدثي الصورة القاتمة، مؤكدا أنه «ستكون هناك حرب جديدة في المنطقة» والسبب أن المشكلة الإيرانية كبيرة جدا. إيران ليست تسويق بنيامين نتنياهو، الإسرائيليون على قناعة تامة بأن إيران تريد القضاء على إسرائيل، وهذه «لن تقبل بمحرقة ثانية، لن تقبل بهذا السيناريو من دون القضاء على عدوها، ولو جرى تصفية كل الإسرائيليين».

ذكّروه بحرب «يأجوج ومأجوج». ألا يوجد خيار آخر؟ أسأل، يجيب: هناك عدة نماذج مطروحة، منها النموذج السوفياتي ـ الأميركي أي الردع المتبادل. لكنه يضيف، أن كل المسؤولين الإسرائيليين الذين التقاهم أكدوا أن إيران لن تصل إلى امتلاك السلاح النووي: «ما معنى هذا، لكل فريق تفسيره». والقناعة الإسرائيلية أنها وحدها ستحل المشكلة الخطيرة هذه. يقول إن إسرائيل تعلمت من تجربة الحرب في لبنان عام 2006. هي تريد ترك مشكلة حزب الله على عاتق لبنان. في استعداداتها لمواجهة إيران، لن تفعل في لبنان ما تفعله قوات التحالف في أفغانستان والعراق «إنها متورطة. قد تقضي إسرائيل على لبنان، إنما الشيعة سيبقون. لكنها ما عادت تفكر، كما في حرب 2006، بأن حياة الجندي أغلى من حياة المدنيين. إذا اعتدى حزب الله على إسرائيل بإطلاق الصواريخ مثلا، أو اغتيال شخصية إسرائيلية في الخارج سيكون هناك رد. التركيز والاستعداد للحرب المقبلة، أما حزب الله فإنه سيترك لبنان وحده يتخبط بمشكلته».

مع حديثه عن الحرب المقبلة المحتملة، يعود محدثي إلى الفلسطينيين، يقول: يمكن أن تكون حركة فتح أنهت وظيفتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، وقد يبرز لاعب آخر، لكن لا أحد في إسرائيل يصدق باحتمال الوصول إلى اتفاق سلام قريب، لا مع الفلسطينيين ولا مع سورية، والتجربة اللبنانية لا تشجع على الدولة الواحدة كحل.. أقاطعه قائلة: إذن الرابح السعيد هو إيران، حتى وقوع الحرب أو حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ يوافق.