أوباما المفقود

TT

أنا معروف بأني الشخص الذي يكون لديه دوما بعض التحفظات على باراك أوباما. وبالطبع، دعمته خلال الانتخابات التمهيدية ضد هيلاري كلينتون. وصوتُّ لصالحه يملأني الحماس والطرب، ولا سيما بعد أن نطق جون ماكين بالكلمات الأكثر صدمة داخل الساحة السياسية الأميركية «سارة بالين». ولكن كانت لديّ بعض المخاوف من أوباما لدرجة أني انتقصت من خطابه الشهير عن العِرْق الذي كان يعتقد أي شخص آخر تقريبا أنه أفضل كلمة قيلت في هذا الموضوع. ولقد أعدتُ قراءة هذه الكلمة، وهدأتُ بعض الشيء (كنت قاسيا جدا) ولكن شعرتُ بالحزن. أين هذا الرجل الذي أدلى بهذا الخطاب؟

أدلى بالخطاب في فيلادلفيا خلال مارس (آذار) 2008، وشجع عليه كلام قاله القس جيريمي رايت، الذي كان المستشار الروحي لأوباما. لم يتمكن رايت، وهو رجل مع عمر معين ولديه ندبات عاطفية جاءت من حياة عاشها داخل مجتمع عنصري، من السيطرة على غضبه، وصُوِّر له مقطع على شريط ونُشر ذلك عبر موقع يوتيوب في مختلف أنحاء العالم. وبدت الخطبة التي كان لها سياق وجمهور محترم وكأنها كلمة لاستثارة الغوغائيين بجنون على الشاشة الصغيرة. واضطر أوباما إلى التخلي عن رايت.

وقام أوباما بذلك بأسلوب جيد ونبيل، ولكن أكثر من ذلك فإنه عند إعادة قراءة الخطاب ستتأثر بمرونة تفكير أوباما ومنطقه وموهبته الكبرى في مجال الكتابة التي كان لها أثر كبير على أشخاص سريعي التأثر في مهنتي.

ولكن عند قراءة هذا الخطاب تجد نفسك وجها لوجه مع أوباما وهو لديه وضوح أخلاقي رائع. فقد كان رجلا يعرف السبب الذي يدفعه للترشح لمنصب الرئيس ويعرف تحديدا ما يجسد. وكان يمكنه الحديث إلى أميركا كرجل أسود وكرجل أبيض، فقد عاش في كلا العالمين. ووضح إلى أميركا ما يعني أن يكون هناك رجل أسود في عمر رايت وما يعني أن يكون هناك رجل في أي فئة عمرية أخرى.

وباراك أوباما الذي أدلى بخطاب فيلادلفيا ما كان له أن يترك وزير العدل في إدارة إريك هولدر يعلن سياسته الجديدة لمحاكمة خالد شيخ محمد وأربعة من المتهمين في هجمات الحادي عشر سبتمبر (أيلول) أمام محكمة جنائية كما لو كان ذلك مجرد قضية خاصة بالوزارة وليست إجراء سياسيا مهما وخطيرا. وأوباما الذي أدلى بالخطاب كان سيعلن مبدأ قانونيا وليس نظاما يحاكم بموجبه بعض من المتهمين في ضلوعهم في الإرهاب أمام محاكم مدنية والبعض أمام محاكم عسكرية.

بالطبع هناك اختلاف بين الدخول في حملة انتخابية والاضطلاع بشؤون الحكم، فلا يوجد واقع خلال الحملات الانتخابية. تريد إغلاق غوانتانامو وتقول إنك سوف تغلقه. وتريد أن تغلقه كرئيس، ولكن فجأة يتحول ذلك إلى أزمة سياسية تكلفك مستشارا للبيت الأبيض وهو رجل خبير أمين يدعى غريغوري كرايغ. الحكم صعب.

وطريقة الحكم نعرفها من الوضوح الأخلاقي، عن طريق معرفة حياة الرئيس الداخلية. وقد كانت حياة أوباما السياسية قصيرة جدا بالنسبة لنا، ولذا لا يمكن أن نتعرف عليه سوى من خلال طريق أصوات أدلى بها في مجلس تشريعي أو قرارات اتخذها كمدرس. لديه رصيد قليل، ولكن في مقابل ذلك الكثير من الكلام، الكثير منه مثير أخلاقيا وجميل من ناحية الصياغة. ولكن، كرئيس يحاول أوباما بجد أن يكون عكس جورج بوش ولذا أصبحت الأخلاقية المفرطة للرئيس السابق ـ إصراره على رؤية الأشياء أبيض وأسود ـ منطقة رمادية أوبامية. وبصورة عامة تم التعامل مع حقوق الإنسانية كما لو كانت فكرة جمهورية، ويجب أن يعيد أوباما قراءة خطابه في فيلادلفيا، لأنه حينها سيجد شخصا طيبا هناك.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»