خطة بديلة ثانية لأفغانستان

TT

عندما يتوافر حل جيد لمشكلة، يتوافر أمام أي رئيس ثلاثة خيارات هي: تجنب المشكلة برمتها، أو انتقاء الخيارات الأقل سوءا، أو محاولة التوفيق بين الحلول المطروحة والتقليل بأقصى درجة ممكنة من الأضرار طويلة المدى التي قد يسببها أي قرار. ومن المحتمل أن يعقد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قريبا رأيه على قرار أقرب إلى الخيار الثالث، في ما يخص أفغانستان. لكن هذا الأمر لن يسعد أحدا، وإن كان يشكل الخيار الأقل خطورة.

لم يكن أحد ليختار أن نبدأ من النقطة التي نقف عندها الآن في أفغانستان. ولم يكن ينبغي علينا تجاهل هذه القضية لمثل هذه الفترة الطويلة، وكان ينبغي علينا التعامل، في وقت مبكر عن ذلك بكثير، مع النقائص الموهنة التي تتسم بها حكومة حميد كرزاي. إلا أنه ليس بإمكان أوباما تغيير أي من ذلك. ومع ذلك، فإنه على خلاف الحال مع أنصار اتباع استراتيجية شاملة لمكافحة التمرد، يدرك أوباما أن عليه اتخاذ قرار يمكن الإبقاء عليه على المدى الطويل، ما يعني الأخذ في الاعتبار الحقائق الاقتصادية والسياسية الداخلية القائمة على أرض الواقع. من بين هذه الحقائق، القلق إزاء الحقيقة التي عبر عنها المحلل المعني بالسياسة الخارجية، أندرو باسيفيتش، أفضل من أي شخص آخر، حيث قال: «تحولت هذه الحرب الدائمة إلى سياسة أمر واقع للولايات المتحدة». لقد أبدى الأميركيون دوما استعدادهم لمقاتلة الإرهابيين، لكن الأمر الذي لم يكن في حسبانهم ولم تعمل إدارة بوش على دفعهم لتوقعه عندما وجهت قوات إلى أفغانستان ثم العراق، هو خوض حربي احتلال عنيفتين طويلتي الأمد من دون أجل محدد، ترتب عليهما حتى الآن خسارة آلاف الأرواح ومئات المليارات من الدولارات.

من ناحية أخرى، يشعر أنصار مبدأ انتهاج استراتيجية كبرى لمكافحة التمرد بالسخط حيال أي شخص يثير قضية التكاليف المالية لالتزاماتنا العسكرية. والملاحظ أنه في أغلب الأحوال ينتمي الأفراد الذين يشعرون بالغضب الأكبر تجاه الحديث عن التكلفة المالية الفادحة لحربي أفغانستان والعراق إلى نفس العناصر المحافظة التي تتحسر على تردي الأوضاع المالية للولايات المتحدة والأخطار بعيدة الأمد المرتبطة بعجز في الميزانية يواجهه البلاد، وعلى الرغم من ذلك لا يبدون أي اعتراض على شن حربين وخفض الضرائب في الوقت ذاته. الواضح أن التكاليف المادية تثير قلق أوباما، وكذلك أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين الذين سئموا الهجمات التي يتعرضون لها بسبب سياسات الحزب المالية. ومع توقعهم قرب صدور قرار من الرئيس، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين بقيادة ديفيد أوباي مشروع قانون يطالب الرئيس بفرض ضريبة إضافية بهدف تسديد تكاليف الحرب في أفغانستان.

وقال الديمقراطيون في بيان لهم: «في الوقت الذي ناضلنا لتمرير إصلاح الرعاية الصحية، تم إخبارنا بأن علينا أن ندفع ثمن مشروع القانون. وبغض النظر عن تأييد المرء الحرب من عدمه، تبقى الحقيقة أنه إذا كنا سنخوض الحرب، فعلينا أن نسدد ثمنها». ربما لا يتحول المقترح إلى قانون أبدا، لكنه يبعث برسالة واضحة مفادها أن أي زيادة لأعداد القوات يقترحها أوباما ستفتقر إلى التأييد الشعبي حتى في أوساط من كانوا من بين أقوى أنصاره، وستحظى بالتأييد الأكبر بين عناصر لا يمكنه الاعتماد على دعمها على أي صعيد آخر. من جانبه، يعي أوباما جيدا أن الصبر تجاه الحرب الدائمة آخذ في النفاد. لذلك سيشدد على أنه لن يوجه قوات إضافية إلى هناك لأجل غير مسمى.

يذكر أن مسؤولا رفيع المستوى في الإدارة وصف السياسة التي من المحتمل أن يعلنها أوباما في مطلع ديسمبر (كانون الأول)، رغم تأكيده عدم التوصل إلى قرار نهائي بهذا الشأن، على النحو التالي: «لن يكون القرار ساريا إلى أجل غير مسمى، وإنما سيتسم في فترة زمنية محدودة، وسينصب التركيز على الاستراتيجية، وليس عدد القوات». وتشير الاحتمالات إلى أن الرقم الذي سيرسله أوباما يقل عن الـ40000 جندي الذي اقترحه الجنرال ستانلي ماكريستال.

لقد قرر أوباما أن أفغانستان تختلف عن العراق وفيتنام، ووجهة النظر تلك تضعه في موقف متعارض مع الصقور، الذين يعمدون دائما إلى الاستشهاد بقرار زيادة أعداد القوات الأميركية في العراق عام 2007، والحمائم، الذين ينظرون دوما إلى فيتنام باعتبارها حقبة تاريخية ينبغي استخلاص العبر منها.

من جهته، يصر أوباما على أنه لا يمكن لزيادة أعداد القوات في أفغانستان تحقيق الأثر نفسه الذي شهدناه في العراق بسبب التباين الشديد في الظروف بين البلدين. إلا أنه بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يرى أوباما أن للولايات المتحدة مصالح حيوية في أفغانستان لم تكن لها مصالح في حجمها في فيتنام، في مقدمتها إنزال الهزيمة بالإرهابيين في أفغانستان وباكستان، وضرورة توخي الحذر حيال تداعيات الخيارات التي يجري اتخاذها بشأن مستقبل باكستان. في الواقع، يبدو أن أفغانستان تشكل الاختبار الأصعب على الإطلاق في مواجهة النهج البراغماتي الخالي من أي صبغة أيديولوجية الذي ينتهجه أوباما. من جانبها، ترفض العناصر التي تواجه مخاطر سياسية كبرى ترتبط بقضية حرب أفغانستان اتباع حلول وسط، ويشكون في قدرة الرئيس على التفكير على هذا النحو في هذه المعضلة. بيد أن هذا، تحديدا، هو نمط التفكير الذي وعد به أوباما العام الماضي، وله الحق في أن يحاول إثبات نجاحه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»