مركز دراسات سارة بالين

TT

علمت منذ فترة أن جورج بوش سوف يرفع تمويله للمعهد السياسي الذي اقترح إنشاءه في جامعة ميثوديست الجنوبية. وقد أجريت بعض الأبحاث واكتشفت أن هناك نحو ثلاثة آلاف معهد سياسي يعقد معظمها اجتماعات لا تتناول قضايا مهمة، وتصدر أوراقا بحثية لا يقرؤها أحد؛ ومن ثم، أقترح على جورج بوش أن يستخدم تلك الأموال في شيء مختلف تماما وبناء، وهو أن يؤسس مركز دراسات لسارة بالين. وسوف أرسل إليه شيك مساهمتي في إنشاء ذلك المركز على البريد الإلكتروني.

ومما لا شك فيه أن الأسبوع الماضي هو أسبوع سارة بالين نظرا إلى ظهورها المتكرر في اللقاءات التلفزيونية التي تتعلق بكتابها «التغريد خارج السرب». وسوف تظهر سارة فعليا في كل مكان وتترك انطباعا طيبا كالعادة وسوف يكون هناك حوارات حول احتمالية أن ترشح نفسها للرئاسة. وسوف يشير أحدهم إلى أنها قد تذهب إلى آيوا ـ وبالتأكيد أنت تعرف ما الذي يعنيه ذلك.

ومن جهة أخرى، سوف يقول أحدهم إنه خلال الأسبوع الذي ظهرت فيه سارة لترويج كتابها، كان الرئيس الحالي خارج البلاد لحضور اجتماعات في آسيا، بما في ذلك زيارة لمصرفيينا الصينيين. فهل يستطيع هؤلاء الذين ينتقدون باراك أوباما لأنه غر وقليل الخبرة أن يتصوروا التقاء سارة بالرئيس الصيني أو أن تضع تقريرا حول السياسة طويلة المدى المتعلقة بأفغانستان، أو باكستان، كوريا الجنوبية، كوريا الشمالية، الشرق الأوسط، وبالطبع الصراع بين جورجيا وأبخازيا؟ لا أعتقد أنها مؤهلة لذلك على الإطلاق، فبعض هذه الدول ليست قريبة من ألاسكا.

وإذا كان الحال كذلك فإن معهد دراسات سارة بالين يجب أن يدرس كيف اختارها جون ماكين نائبة له خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، بالإضافة إلى، لماذا لم يذهب ماكين ـ أخذا في الاعتبار ما ثبت بالدليل من أحكام رديئة وانتهازية سياسية مؤسفة أسس حياته المهنية على انتقادها ـ إلى الدير ويتعهد بالصمت التام لأن أي شيء سوف يقوله بعد اختياره لسارة بالين يجب أن ينظر إليه في ضوء اختيارها بالدرجة الأولى.

كما يجب أن يدرس مركز الدراسات عقلية مساعدي ماكين خلال الحملة الانتخابية السابقين الذين استمروا في انتقاد سارة لأنها لم تصبح تلك الدمية الخرساء الذين كانوا يتمنونها، فقد تمردت بالين، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن كانوا أغبياء بما يكفي للمساعدة في اختيارها في المقام الأول، كما أنهم أصبحوا يعيشون في حرج سياسي لأنهم لم يستقيلوا من تلك الحملة عندما كان لذلك قيمة.

وقد يتوصل مركز دراسات سارة بالين إلى أنها تمثل اللحظة التي تخلى فيها الجمهوريون البارزون عن الديمقراطية، حيث كانوا ينظرون إليها باعتبارها وعاء خاويا يسهل إخضاعه لسيطرة النخبة المحيطة، وهو ما يشمل الهيئات التحريرية لكل من «الويكلي ستاندرد» و«وول ستريت جورنال» والتي تتحمس لرؤية سارة بالين رئيسا للولايات المتحدة على الرغم من أن أيا منهما لن يستعين بها لإصدار أحكام متعلقة بالمادة التحريرية. ولا يزعج هؤلاء الناس أن هذه المرأة في الحد الأدنى ديماغوجية ـ هل تذكر «لجان الموت؟» ـ كما أنها لا تتحمل المسؤولية. وإذا كانت سارة بالين قد قدمت استقالتها كحاكم لألاسكا في إطار سعيها النبيل للحصول على المال، فمن الممكن أن تستقيل كنائب للرئيس أو حتى كرئيس لنفس السبب، فمما أسمعه فإن المرء لا يكتفي من السعي وراء المال أبدا.

وأعتقد أن مركز دراسات سارة بالين سوف يصدر عددا ضخما من الأوراق البحثية حول عمر بالين وأنها على الرغم من كل شيء أصبحت إحدى المشاهير الجدد. وعلى غرار المشاهير كافة، أصبحت سارة مجرد وسيلة لترويج شيء ما وبيعه: كتاب، أو مجلة، أو برنامج تلفزيوني، أو حمية غذائية. ولذلك أهمية قصوى، حيث إننا بلد كبير بلا صناعات كبرى، أي أننا نعتمد على إنتاج الشهرة، وهو أفضل ما نقوم به حاليا، حيث أصبح إنتاج السيارات والحديد و«مسحوق غسيل فريق البغال» من الماضي.

وأخيرا، فإن مركز دراسات سارة بالين سوف يجري أبحاثا عما تمثله، حيث إن سارة تستحوذ على شعبية استثنائية بين الجمهوريين (76%) الذين لديهم اعتقاد غير مبرر بأنها لن تكون رئيسا سيئا. وما يعنونه بذلك هو أنها سوف تعبّر عن امتعاضهم، فهي سوف تصوب فأسا على رؤوس الأشخاص أو المؤسسات التي يكرهونها، حيث إن العداء المحتدم هو ما يكمن خلف حركة المتحمسين لسارة بالين. ولهذه الأسباب وحدها، تستحق أن نشاهدها وندرسها.

وقد يكون كثيرا أن نطلب من بوش أن يضع أمواله في شيء مفيد بدلا من النصب الرئاسي التقليدي الذي يخلد من خلاله ذاته. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه هي فرصته: مركز دراسات سارة بالين، لأنها إن كانت آتية فإن جميعنا راحلون.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»