أجبن الجبناء

TT

حقا (شر البليّة ما يضحك) ويحزن كذلك، وفعلا إنها والله (بليّة)، وإليكم نماذج منها: كانت هناك فتاة سودانية على قدر من الجمال والقبول، تنافس على خطبتها والظفر بها شابان (دمهما حامٍ)، غير أن هذا التنافس لم تسوده للأسف (الروح الرياضية)، التي يشتهر بها إخواننا أهل السودان، وإنما تحول إلى ميدان قتال بالبنادق، وانتهى إلى مصرع أربعة أشخاص وفيهم الشابان المتنافسان، وتوقف الموضوع على هذه المصيبة (التراجيدية).

وما هي إلا ثلاثة أشهر فقط وإذا بالفتاة نفسها تزف إلى شاب مسالم أخذها (باردة مبردة).. وإنني لفي عجب وتساؤل شديدين: هل هناك امرأة تستحق أن تسفك الدماء تحت قدميها؟! والغريب أن الواقع والتاريخ يقولان لنا (نعم) وبالخط العريض.

ولا شك أنني لست من الشجعان المغاوير في هذا المجال. أسفك الدماء تحت خشمها ممكن، ولكن تحت قدميها لا يمكن.

صحيح أنني أحترم المرأة وأعلي من شأنها، وقد (أموت في كراعينها ـ وما أكثر ما فطست)، ولكن أن أقتل نفسي وأسفك دمي من أجلها! فاسمحوا لي أن أقول لكم (آسف) وبالفم المليان، واعتبروني من هذه الناحية (أجبن الجبناء).

أترك موضوع المرأة على جنب ـ فليست هي أكبر همي ـ وأدخل في موضوع مغاير ومختلف عنه على طول الخط ـ رغم أنه يشترك معه في نقطة واحدة ـ ألا وهي القتل أعاذنا الله منه.

ففي محافظة بني سويف جنوب القاهرة، نشبت خناقة بين حمارين تطورت إلى خناقة بين صاحبيهما، وكان هناك ضابط متقاعد قريب لأحدهما، فما كان منه بحكم خبرته في تكتيكات القتال إلا أن يشمر عن ساعديه متسلحا بعصا غليظة، ويدخل في المعركة أولا بين الحمارين، انتصارا لحمار قريبه، فما كان من الحمار الآخر وقد ألهبت ظهره وأوجعته عصا الضابط، ما كان من الحمار إلا أن يستدير ويوجه إليه بكلتا قدميه رفسة هائلة استقرت على وجهه وبين (فكيه) تحديدا، خر على أثرها الضابط مضرجا بدمائه، حاولوا حمله إلى المستشفى، غير أن المسكين لفظ أنفاسه في نفس المكان.

والذي يدعو إلى الحزن أن الحمارين المتخانقين بعد أن انفضت المعركة عاد بعضهما إلى بعض وكأن شيئا لم يكن، وأخذا يتناولان العلف معا بكل (جنتلة) وتحضر.

وبدلا من أن تكون نهاية ذلك الضابط في (ساحات الوغى)، وهو الضابط الذي حصل على (نوط الشجاعة) وسبق له أن عبر قناة السويس وخاض حرب انتصار أكتوبر في 73، من سوء حظه العاثر أن تكون نهايته بهذا الشكل الهزلي. ولا أدري ماذا كان يدور من أحاديث بين المعزين في (سرادق) العزاء! وما هو موقف أبنائه مما حصل! وهل يحق لهم الأخذ بثأر والدهم من ذلك الحمار؟! أعتقد أنهم أعقل من أن يقدموا على ذلك، فهذا قضاء وقدر، والحيوانات لا تعرف كبيرا ولا صغيرا. رحم الله الضابط رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هل تصدقون أنني بعد قراءتي لذلك الخبر صرت أخشى الحمير أكثر من العدو الصهيوني؟

[email protected]