سلامتها «أم حسن»!

TT

«سلامتها أم حسن

من العين ومن الحسد

وسلامتك يا حسن

من الرمش اللي حسد»

حال مدينة جدة كحال «أم حسن» التي تغنى بها عدوية، ينطبق عليها المثل: «من برّه الله الله، ومن جوّه يعلم الله»، أضاع المسؤولون عن المدينة الملايين الكثيرة في «ماكياج» وجهها، وتركوا دواخلها ينخر فيها السوس، اهتمت أمانتها وأمناؤها بفاترينات الشوارع الأمامية التي يعبرها المسؤولون والزوار من فئة الخمس نجوم، وتركوا جسد المدينة لحظوظه العواثر.

يوم الأربعاء الماضي كان يوما داميا، جرفت فيه السيول جثثا، وعربات، وأمتعة، وأغلقت جسورا، وأنفاقا، وطرقات، أمام مرأى من شاشات القنوات، وعدسات المصورين، وأقلام الصحافيين، وعدوية يغني:

«ملبوخة ليه ملبوخة

م الفكر جالها الدوخة

حرقت شبّة وفسوخة

ماراقتش أم حسن»

وأمانة جدة بعد أن وقعت الفأس في الرأس تصرح بأنها تضع «قضية تصريف مياه الأمطار على رأس أولوياتها!»، فإذا كانت هذه القضية هي التي في الرأس، فاللهم إنا نسألك حول باقي قضايا المدينة الستر والخلاص.

إن ما حدث في جدة لا يمكن أن يتصور أحد حدوثه في ثاني أكبر مدينة في السعودية، وأول مدينة انطلق التحديث فيها على مستوى منطقة الخليج، مدينة كان شعارها: «ابتسم أنت في جدة»، فغدا الناس يتبادلون رسائل الجوال وهم يتنفسون تحت الماء: «تعلّم السباحة أنت في جدة!».

يزور المطر الكثير من مدن العالم ـ حتى الفقيرة منها ـ عشرات، بل مئات المرات في العام فتبتهج له الأرض، وترتدي حللها الخضراء، ويزورنا في جدة مرة أو اثنتين في السنة فنستقبله بالزوارق المطاطية، وطائرات الإنقاذ، وتكثيف الدعاء «نحونا وليس علينا» لأن مدينتنا العجوز ـ التي كانت عروس البحر قبل أن يفرق بينهما أبغض الحلال ـ من عادتها أن تغرق في شبر ماء، وكانت الأهزوجة التراثية التي تنطلق في دروب المدينة:

«يا مطرة حطي حطي

على قريعة بنت أختي»

فمنذ القدم والناس في جدة كل يخاف على قريعته ويتمنى لها السلامة.

حينما وقعت الكارثة يوم الأربعاء الماضي كانت جامعة الملك عبد العزيز ومدارس المناطق التي اجتاحتها السيول في إجازة، وأنا أدعوكم فقط أن تتخيلوا السيناريو المفزع لو أن ذلك حدث في وقت كان فيه مئات الألوف من فلذات أكبادنا يجوبون الطرقات إلى بيوتهم أو إلى مؤسساتهم التعليمية أثناء وقوع الكارثة، إنه سيناريو مخيف، فدعونا نقلب الصفحة، وندعو للجميع بالسلامة.

[email protected]