بداية الاستحقاقات.. نهاية للتوافق السياسي!

TT

بغداد تواجه أزمة قانونية ودستورية بين مكوناتها البرلمانية، فقد تم تمرير قانون الانتخابات من مجلس النواب للمرة الثانية بعدما واجه نقضا رئاسيا من قبل النائب طارق الهاشمي وتلويحه بالنقض الثاني والأخير تزامنا مع تهديد آخر على مستوى كتل سياسية ومحافظات لممارسة الحق الدستوري لنقض أي قانون ما لم يتوافق ومصالح 3 محافظات.

تأتي الأزمة في وقت يستمر فيه تصاعد الضغط الأميركي لتمرير القانون وإجراء الانتخابات في الموعد المقرر. ومن جانب آخر هناك تدخل إيراني للحفاظ على هيمنة التكتلات الشيعية القوية على السلطة. بلا شك كان هناك موقف وتحفظ كردي آخر صارم حيال ما أعلن عن عدد المقاعد المخصصة للمحافظات العراقية، حيث تم التفريق بين السليمانية والموصل ومحافظات أخرى بشكل لا يتناسب والتطور السكاني أو النسب القانونية المحددة لها.

قانون الانتخابات العراقي المعدل أجحف بحق الكرد من زاويتي كركوك والمقاعد المخصصة لنواب المحافظات، وأجحف أيضا بالحق القانوني للمهجّرين والنسب المخصصة لهم في المادة الأولى، وهذا يدل على أن الأحزاب الشيعية استطاعت أن تؤمِّن الأغلبية الساحقة لنفسها، بالإضافة إلى تأمينها لأعلى المكاسب السياسية القادمة.

الموقف الكردي كان قويا بعض الشيء عندما هددوا بمقاطعة الانتخابات ما لم يتم البت في تعديل المقاعد المخصصة لمحافظات الإقليم الكردستاني. وقد جاء هذا التهديد في وقت بانت فيه الخفايا القانونية وإجراءاتها المستقبلية بشكل أوضح في المادة السادسة والأحكام الختامية في المادة السابعة من القانون، وربط بعضهما ببعض من ناحية الإجراءات بعد التشكيك في تجاوز النسبة القانونية المحددة (5%) للنمو السكاني في محافظة كركوك أو أي محافظة أخرى.

عندما نتوقف قليلا وبدقة أزيد، نلاحظ أن إمكانية جمع التواقيع من 50 نائبا ليس صعبا، وهذا الإجراء يليه المصادقة عليه من قبل الأغلبية البسيطة للنواب الحاضرين. وإذا صادق البرلمان على هذا القانون من دون التعديل في المادة السادسة وأحكامها الختامية، حينها يتمكن المشكِكون في صحة النتائج المعلنة للانتخابات في البرلمان العراقي من التصويت على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومراجعة السجلات بالأغلبية البسيطة، مما يعني أن 83 صوتا مؤيدا تكفي لتجميد النتائج المعلنة في كركوك وإبطال أحقيتها القانونية، حيث تليها الإجراءات البرلمانية والحكومية والإدارية وبمشاركة الأمم المتحدة على مدى سنة كاملة لتخرج بالنتيجة النهائية لتدقيق السجلات والعائدين وفق التطبيع المرخص دستوريا حسب المادة 140.

الكرد (ورغم تمريرهم للقانون وفق التوافق السياسي) سوف يواجهون أزمة قانونية ودستورية بعد انتهاء الانتخابات والإعلان عن النتائج، وذلك بسبب الرفض المسبق لأي نتيجة قد تكون لصالح الكرد في محافظة كركوك، هذا يعود أساسا إلى الاتفاق السني ـ التركماني السياسي حول قضية كركوك والمتعاطفين معهم من الأحزاب الشيعية، ورفضهم الدائم والقاطع لذكر المادة 140 من الدستور، بل وحتى خروج البعض من قاعة المؤتمرات المخصصة لدراسة عقدة كركوك كما حدث في بغداد قبل يومين!

من جانب آخر، سوف يتراجع النفوذ الكردي أمام المشاركة السنية الواسعة واستحصالهم على المرتبة الثانية لجغرافية العراق السياسية. وهناك توقع آخر بحصول «ائتلاف دولة القانون» (المالكي) على أكثر من 60 مقعدا، إضافة إلى التوقعات بحصول «كتلة المجلس الأعلى» على مقاعد مماثلة لـ«دولة القانون» أو ربما أزيد، مما يوحي بتراجع الكرد إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة.

تحجيم الكرد بات واضحا أكثر بتوسيع الدوائر الانتخابية على مستوى المحافظات، وهذا يدل أيضا على فرض فيدرالية المحافظات بشكل غير معلن وتحجيم فيدرالية الأقاليم وتهميشها، الأمر الذي يشجع المحافظات عن طريق من ينوب عنهم في البرلمان القادم للعمل على تقوية الدور والصلاحية الإدارية للمحافظة بمعزل عن المركز وتقوية دور لامركزية المحافظات. هذه الخطوة تعتبر ضربة مؤلمة للتوافق السياسي المبني عليه أساسا النظام السياسي الجديد في العراق.

هذا من جانب، ومن جانب آخر سوف يطفو الاستحقاق الانتخابي الجديد على الساحة السياسية القادمة للعراق مما يعطي للكرد دورا أقل تأثيرا على مجمل القضايا، الأمر الذي يلزمهم بالعودة إلى المركز لرسم علاقاتهم الخارجية وهبوط الميزانية المخصصة بالنسبة المحددة حاليا (17%) إلى أدنى مستوى وإجبارهم على العودة إلى بوابة بغداد المركزية لرسم علاقاتهم الخارجية والدفاعية.

هنا لا بد من السؤال: هل يقبل الكرد كل هذا التحجيم؟ أو هل ستبقى علاقة الإقليم بالعراق المركزي على توافقه السياسي القديم أم سوف تصبح حالة الاستحقاق الانتخابي أساسا لخارطة العراق القادمة؟ وما هي البدائل القانونية لإبطال المادة 140 ضمن الإجراءات المقررة في المادة السادسة لقانون الانتخابات؟ أسئلة سوف تعطينا مفاجآت بعيدة عن التوقع، حيث لا يمكن للساسة الكرد العودة من بغداد خاسرين على المستوى القومي، وعائدين كما ذهبوا من دون الحصول على بقعة صغيرة من جغرافيتهم المستقطعة في المناطق المتنازع عليها!

* كاتب سياسي من كردستان العراق