كيف تفهم إيران التباينات الخليجية؟

TT

جاءت زيارة رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ ناصر المحمد الصباح، إلى طهران الأسبوع الماضي ضمن زيارات ثلاث سبقتها زيارة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، وبعده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، وهذه الحميمية في العلاقات بين الدول الثلاث يقابلها برود إماراتي بسبب استمرار احتلال الجزر، وتوجس بحريني بسبب ترديد ادعاءات التبعية البحرينية لإيران، وتجاهل سعودي لحملة إعلامية إيرانية تساند المتمردين الحوثيين وتصريحات رسمية بتهديدات مبطنة بتخريب موسم الحج هذا العام.

والسؤال هنا: كيف تفهم طهران هذه الزيارات؟ وكيف تترجمها ضمن استراتيجيتها تجاه دول الخليج العربي؟ والحقيقة أن للإيرانيين عدة قراءات وليس قراءة واحدة. فمثلما نقرأ إيران بفهم متفاوت، كذلك ترانا طهران بعدة عيون ومن عدة زوايا. وسأحاول حصر الترجمات الإيرانية للسياسة الخليجية سعيا لفهم أفضل عله يقود إلى تفاهم أسلم في العلاقات الخليجية الإيرانية:

1- يرى بعض الإيرانيين أن هذه الزيارات تمثل خلافات خليجية «حادة» تعكس مواقفهم المتباينة من طهران تحديدا.

2- بعضهم يرى هذه الزيارات ضمن تخبط السياسات العربية عموما وعدم توحيد المواقف من قضايا أخرى، فالموقف الخليجي من إسرائيل غير متجانس، ولا هو كذلك من العراق، أو الحكومة العراقية الحالية تحديدا، ولا هو موحد من مسألة الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني ولا حتى اللبناني.. إلخ.

3- ينظر بعض الإيرانيين إلى أن تواصل بعض الأطراف الخليجية مع طهران وصدود بعضها إنما هو توزيع أدوار يقوم بها العرب «الدهاة» في تعاملهم مع طهران، وهي سياسة شعرة معاوية، فلا نحن في قطيعة تامة مع طهران عبر الساحل الغربي للخليج، ولا العلاقات على أفضل مما يراد لإيصال رسائل تعبر عن هواجس ومطالب خليجية.

4- هناك فريق فوقوي في زوايا طهران لا يخفي نظرته العنصرية تجاه العرب عموما، وينظر بعين الاحتقار إلى عرب الخليج خاصة، فهو لا يراهم أكثر من مستعمرات ومشايخ تتحكم بها واشنطن، وأن لا حول لهم من أمرهم ولا قوة، ولا يعطي هذا الفريق أي أهمية لهذه الزيارات ولا يفهم أهميتها للعلاقات بين الطرفين ولاستقرار المنطقة عموما. وهذا الرأي يحمل تناقضه داخله، فلو كان الأمر كما يرى هذا الفريق لما جرت التباينات، ولما صارت الزيارات، ولفرضت واشنطن ما تشاء بمنع الجميع أو بدفع الجميع دفعا نحو طهران.

5- في طهران عقلاء كثر يرون في مثل هذه الزيارات تدعيما لجسور الثقة، وبناء لأواصر العلاقات، وتجاوزا لخزعبلات الفوضويين والمتطرفين في طهران، وتعزيزا لاتجاهات التعاون التي ينادي بها عقلاء إيران، ومناسبة لتذكير مخالفيهم بأن العرب ليسوا كما يصورهم العنصريون بيننا، ولا هم إمعات لا حول لهم ولا قرار، وعلينا استثمار كل إرادة عربية بالتواصل معنا، ومصافحة الأيدي التي تمتد لنا عبر الخليج، وانتهاز مثل هذه الزيارات لتذكير من يريد بإيران شرا بأنها ليست بعزلة عن محيطها، ولا هي في حالة احتقان مستمر مع جيرانها.

الفريق الأخير هو المستهدف في الاستراتيجية الخليجية، وهو الفريق الذي يراهن عليه العقلاء في الخليج العربي بأن يشتد عوده، وأن يتجاوز لغة العنصرية وضيق الأفق وشعارات الفوضى باسم الثورة.

قمة مجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في الكويت الشهر المقبل ستكون مناسبة لتذكير الحالمين بأن الموقف الخليجي من قضايا المنطقة موحد، وهي مناسبة أيضا لإيصال رسالة لطهران يفهمها العقلاء، ولعلها تعيد الرشد للبُلَهاء، مفادها أن يد العرب عبر الخليج واحدة وتبقى ممدودة إلى طهران من أجل التعاون والتفاهم والاستقرار وحل كافة الخلافات بالحوار والطرق السلمية.

رهاننا على العقلاء بطهران كبير جدا!!