قوة عظمى دون شريك

TT

مثل المذنبات التي تتحرك في نقاط مختلفة في الفضاء، وقع حدثان مختلفتان في جزأين مختلفين من العالم الأسبوع الماضي. ربما لا تكون لأي منهما أهمية عالمية إذا ما ذكرت بمعزل عن الأخرى، لكنهما معا يمكن أن يقدما دلائل قوية لما قد يحمله المستقبل.

في الصين التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما نظيره الصيني هو جينتاو، كما التقى رئيس وزراء الصين وين جياباو، وقد حظي اللقاء الأول بمزيد من الاهتمام وكان الأخير شيقا، فقد نقلت وكالة الأنباء الصينية (شنخوا) عن وين قوله لأوباما إن الصين ترفض اقتراح مجموعة الاثنين، لأن «الصين لا تزال دولة نامية ويجب علينا أن نكون دائما على علم بذلك». وأن الصين سعيدة باستمرار علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، لكنها ترغب في المضي قدما في الاستقلال بسياستها الخارجية للسلام، وأنها لن تتحالف مع أي دولة أو كتلة أخري.

يعني ذلك أن الصين لن تتعاون في تطبيق العقوبات على إيران. ولن تعوق برنامج الصواريخ النووية لكوريا الشمالية، ولن تساعد في حل مشكلات أفغانستان أو أي مكان آخر في الشرق الأوسط. خلاصة الأمر أن الصين قررت ألا تصبح شريكا كاملا لأميركا في سياستها الخارجية.

في الوقت ذاته تقريبا اجتمع قادة دول أوروبا يتناقشون حول منصب رئيس الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى للسياسة الخارجية أو وزير الخارجية في الاتحاد. وتأتي تلك المحادثات نتيجة لعقد من الدبلوماسية والنقاش والاستفتاءات داخل الدول بهدف خلق سياسة أوروبية خارجية موحدة وكيان واحد للقارة العجوز بدلا من كيانات متعددة يستطيع أن يتحدث إليها من شاء متى شاء أن يتحدث. كانت النتيجة حصول رئيس الوزراء البلجيكي فان رومبي، السياسي الذي لا يعرف خارج حدود بلده، على منصب رئيس الاتحاد. أما منصب وزير الخارجية فذهب إلى كاثرين آشتون، غير المعروفة حتى في بلدها. كان هناك كثير من المرشحين لهذين المنصبين أكثر شهرة وخبرة ـ وقد رفض مرشحون أكثر خبرة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ووزير الخارجية السويدي كارل بيلت ـ وكان من الواضح أن سبب الرفض خشية هؤلاء القادة من أن يكونوا نفوذا لصالح القوى التي عينتهم. وهو ما دفع صحيفة «دير شبيغل» الألمانية إلى القول «أوروبا تختار لا أحد».

يعني ذلك أنه ربما تكون لأوروبا قيادة موحدة ورقم تليفون واحد ـ في إشارة إلى تهكم كسنغر من قبل عندما قال: «إذا كنت أود الحديث مع أوروبا فبمن أتصل» ـ لكن الرجل الذي يمسك بالهاتف لن يتمكن من الحراك. لن تكون أوروبا كيانا موحدا قادرا على تنسيق سياسة خارجية ضد إيران أو كوريا الشمالية أو أفغانستان أو الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في أي وقت قريب. وباختصار لن يمكن لأوروبا أن تصبح شريكا كاملا في السياسة الخارجية.

ومن ثم نواجه الآن موقفا لافتا للنظر؛ فالأميركيون لم يعودوا يرغبون في أن يصبحوا قوة عظمى منفردة، كما أن الرئيس الأميركي لم يعد يرغب في أن يصبح قائدا لهذه القوة العظمى المنفردة. ولا أحد يرغب في أن تكون أميركا القوة العظمى الوحيدة. وحقيقة الأمر أن أميركا لا يمكن أن تكون القوة العظمى الوحيدة. غير أن الولايات المتحدة لا يوجد لديها شريك واضح يمكنها تقاسم قبة القوى العظمى معه. ولا أحد ولا شيء يمكنه أن يجل محلها.

لكن ذلك لا يشكل نهاية العالم ولن يستمر إلى الأبد. فأوروبا، إذا ما نظرنا إليها ككيان واحد، لا تزال أضخم اقتصاد في العالم، والصين، مهما قيل عنها، فهي لا تزال أسرع اقتصادات العالم نموا. ومن المؤكد أنه من منطلق الحاجة البديهية للدفاع عن مصالحها الاقتصادية ربما تقتنع إحداهما أو كلتاهما بالحديث مع العالم الخارجي بصورة أكثر جدية.

غير أن ذلك يعني أن إدارة أوباما تواجه مشكلة. فعندما تولى الرئيس السلطة وعد بالعمل مع الحلفاء، لكنه اكتشف فيما بعد أنه لا يوجد حلفاء يمكن العمل معهم، لكن مع ذلك لا تزال أوروبا أفضل آمالنا، لأن الأوروبيين يقاسموننا قيمنا، لكن إقرار عقوبات مع أوروبا مقسمة ـ ناهيك عن تعاون عسكري ـ سيظل عبئا كبيرا. وفي الوقت ذاته تسعى الصين للحصول على مصالح خارجية واسعة عبر التجارة في أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا، مع عدم اكتراثها للانضمام إلى الحملة الدولية ضد الإرهاب أو منع الانتشار النووي أو أي شيء آخر.

ومن ثم يبدو أن الأمن العالمي لا يزال مستمرا في يدي الولايات المتحدة سواء شاءت أم أبت. وخلال منتصف رئاسته وجد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن عليه التخلي عن الأحادية في اتخاذ القرار لصالح الدبلوماسية. والآن يتساءل البعض: هل سيقوم أوباما في فترة ما من رئاسته بالتخلي عن الدبلوماسية لصالح الأحادية أيضا؟

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».