جدة!

TT

تركت عنوان المقال باسم جدة فقط لان المرء بين أمرين؛ إما أن يكتب راثياً، وهذا أمر لا يجدي، أو أن يكتب مبرراً وهذا أمر لا يليق، كمن يقول إن مشكلة جدة هي في الناس التي أرادت أراضي رخيصة، فماذا نقول عمن تم منحهم أراضي في تلك المناطق المنكوبة؟!

ما تحتاجه جدة اليوم هو المحاسبة الصارمة للمتسببين في الإهمال، وضرورة سرعة إنجاز ما يجب إنجازه لعدم تكرار مأساة جدة مع المطر، وعندما نقول المحاسبة فلا بد من الاعتراف بأن إجراءات السلامة الاحترازية شبه معدومة، وهي أمر مهم، وليست ترفاً، وكذلك إعادة النظر مباشرة في المناطق المبنية على مجاري السيول، وضرورة إنجاز مشروع الصرف الصحي.

وعندما نقول المحاسبة فلا بد من إعادة تقييم ما أنجز من مشاريع في جدة، ومدى سلامتها، ومطابقتها لإجراءات السلامة، سواء المباني السكنية أو التعليمية وغيرها، وفضح ومحاسبة المقصرين، فصحيح أن الأمطار تهطل في كل دول العالم، وأن الكوارث الطبيعية تحدث، لكن ما حدث في جدة كان نتيجة أن المدينة ليست مؤهلة لتحمل ساعات قليلة من المطر، كان يمكن أن تكون عيدية لأهل جدة، لا أمطاراً يمكن وصفها بالكوارث. ومن أولويات ما يجب التصدي له اليوم، مثلا، ما يعرف ببحيرة المسك، التي ليس لها من اسمها نصيب، فلماذا لا يتم التعامل معها مباشرة قبل أن تحل الكارثة في المدينة والناس؟

ولمن لا يعرف جدة فهي اليوم ورشة عمل، لكن وكما اتضح فإن ساعات من المطر كشفت المستور، والسبب غياب إجراءات السلامة، والتقاعس على مدى سنين طويلة، مما نتج عنه الاستهتار بممرات السيول التي تحولت فجأة إلى أحياء سكنية، وكما يقال قديماً في أمثالنا الشعبية أن السيل يعرف مجراه، وبالتالي فإنه لا بد أن يكون هناك مشروع واضح متكامل من أجل سلامة المدينة والناس.

نكتب عن جدة لأنها بوابة جميلة من بوابات السعودية، وجمال جدة أن حبها حق مشاع، وليس لأبنائها حق الغيرة من القادمين من خارجها، ففي عروس البحر، كما تعرف بالسعودية، مسكن لأهل الرياض، ومكة، والمدينة المنورة، والقصيم، وأبناء الجنوب والشمال، وحتى أهل الساحل الشرقي السعودي يأتون إليها مع زمرة العشاق. صحيح أن لكل سعودي حنين خاص بمدينته، أو قريته، لكن جدة غير، كما يقول محبوها. جدة آهة عاشق، ومرفأ بحار، لذا نهتم بها، ونكون عاطفيين في تناول قضاياها، وقبل كل شيء وأهم من كل أمر، أننا نهتم بسلامة الناس. ما حدث في جدة محزن، ولا يفيد فيه التلاوم، أو التبريرات.. الأهم هو المسارعة بمعالجة احتياجات المدينة الملحة، وأهمها المحاسبة، والشروع مباشرة في معالجة أخطاء قديمة.

بعد تعيين الأمير خالد الفيصل في منطقة مكة المكرمة سمعت في مجلسه من سرد هموم جدة، فرد الأمير قائلا: تريد مني في خمسة أشهر معالجة مشاكل خمسين عاماً؟ ومع الأمير كل الحق، إلا أننا نقول إنه لا بد من التحرك فوراً لتنفيذ الخطط التي أشرف عليها الرجل بعد تعيينه، والإسراع فيها، مع ضرورة محاسبة المقصرين.

وكل عام وأنتم بخير وسعادة.

[email protected]