في جدة.. كان المرحوم مخطئا!

TT

هل يكفي أن ننعت الأحياء التي اجتاحتها السيول في جدة، وأغرقت أكثر من مائة من سكانها بأنها أحياء عشوائية، نبتت فجأة على مسارات الماء فاجتاحتها السيول في مواسم المطر لنحمّل الغرقى مسؤولية ما حدث لهم على طريقة «المرحوم كان مخطئا»؟!

فحينما نصف هذه الأحياء بالعشوائية ننسى أن جل هذه العشوائيات نشأت بمباركة رسمية، وأن الكثير من أصحاب تلك الدور يمتلكون صكوكا، وتصاريح بناء مستوفاة الرسوم، وهذا يلقي علينا جزءا كبيرا من مسؤولية ما حدث، فالناس حينما يبنون بيوتهم لا نتوقع منهم أن يكونوا خبراء في الجغرافيا، ولا مختصين في علم التربة، ولا علماء في اقتفاء أثر السيول، فتلك أمور من اختصاص من منحهم تراخيص البناء.

كل ذلك دار في ذهني وأكثر، وأنا أطالع اللقاء الذي أجرته صحيفة «عكاظ» مع أمين مدينة جدة عقب كارثة يوم الأربعاء الماضي، واستحضر ما قاله الزميل علي الموسى ـ الكاتب بصحيفة «الوطن» السعودية ـ بأنه لا يمكن تحميل مأساة جدة على أكتاف أمينها الحالي لأنه بحكم التنصيب وارث لا فاعل، وهذا صحيح، ولكن في مواجهة المسؤولية التي يوشك الجميع أن يضعها على كاهله ألا يجدر بالأمين أن يقول لنا من الفاعل بدلا من سوق قطعان الإجابات التبريرية في مواجهة الأسئلة؟ ولست أدري من أين جلب الأمين ذلك القدر من الطمأنينة وهو يتحدث عن الساتر الترابي الذي يفصل بين المدينة وبين أكبر بحيرة في العالم لتجميع مياه المجاري، والتي تتجمع فيها ملايين الأمتار المكعبة من المياه الآسنة، وتشكل الخطر الأكبر الذي يتهدد المدينة، وكان أولى به أن يقرع كل الأجراس ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فماذا ينتظر وقد بلغ منسوب الماء خلف الساتر الترابي 15 مترا ليقول ما تقتضيه الحقيقة حول خطورة أن ترهن مدينة تاريخها وسكانها وإمكاناتها ومنجزاتها خلف ساتر ترابي، وخلف حلول جزئية وموقوتة!

أفلا تستحق أرواح غرقى المدينة التي تجاوزت المائة فتح الدفاتر ليتحمل كل مقصر مسؤوليته في ما حدث حتى ولو غادر الكرسي، فالمسؤولية لا تسقط بالتقادم؟! ألا تستوجب فاجعة المدينة أن نكون أكثر مباشرة في تحديد الأسباب بدلا من اللف والدوران حول رأس الرجاء الصالح؟!

أثق أن ملف المدينة بكل ثقله ومشكلاته الموروثة هو اليوم بين يدي أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، وخالد الفيصل هو من نعرف حزمه وعزمه، فهل يكون ما حدث آخر أحزان هذه المدينة؟

[email protected]