رحمة لا عفية

TT

كتاب «صدام حسين من الزنزانة الأميركية» للمحامي خليل الدليمي، قراءة مشوقة حقا. محامي الرئيس العراقي الراحل ينقل عنه في المعتقل صورة البطل الذي لا يلين. مرة يروي كيف عندما أبلغ بمقتل ابنه عدي، قال باسما، «عفية والحمد لله». وعندما قال له المُبلّغ، وقصي أيضا «قلت عفيتين، والحمد لله. ثم قال، سيدي، مصطفى أيضا استشهد، فقلت، ثلاث عفيات».

قراءة مشوقة حقا. صدام يروي لماذا حارب إيران. لماذا احتل الكويت. كيف تخفى عن أنظار المحتل الأميركي إلى أن اعتقل. بطولات تفوق عنترة والزير. ورجل صلب يبلّغ بولديه وحفيده فيقول عفية عفيتان ثلاث عفيات. رجل يسبح في النهر ومعه سلاح المقاومة ومالها. وينام في البيوت ويخرج منها قبل أن يستيقظ أصحابها. ورجل همه، كلما دخل بيتا وخرج، ألا يؤذى صاحبه. همه ألا يؤذى عراقي واحد بسببه.

لا أدري إذا كان المحامي الدليمي وضع هذا المؤلف الضخم (450 صفحة) من أجل الدفاع عن صدام حسين في الذاكرة العربية. ففي دنيا الروايات والفروسيات، يضاف الكتاب إلى ألف ليلة وليلة وخصوصا عنترة. أما في السياسة والحكم والدول والأمم وإدارة الأحكام والحكمة والحنكة والرأفة بالرعية وإبعادها عن سجونه وحروبه واحتلالاته واحتلالات أعدائه وخصومه، فالمسألة تحتاج إلى نظرة ثانية، من محامي الرئيس الراحل والمعجبين به.

لا نرى صدام، الرواية في الكتاب، إلا مبررا هزائمه وغضباته. ولا نراه إلا رحيما رؤوفا والآخرين أهل ظلم وعدوان. ولا نرى غزوة الكويت إلا لأن شركة نفط أميركية متآمرة حفرت للنفط في أراضي العراق ثم راحت تبيعه رخيصا لمن؟ لإيران! وإلى جانب الكويت كانت الإمارات تتآمر لتهبيط سوق النفط فقط من أجل التنكيل بالعراق الذي خرج مدينا بأربعين مليار دولار من حرب إيران.

كيف تسدد أربعين مليار دولار في حرب إيران؟ تشن حربا أخرى، تواجه فيها 28 دولة، كيف تواجه وفاة ملايين المرضى والأطفال في الحصار الإجرامي؟ ترفع رأسك عاليا وأنت تقول، عفية، عفيتان، ومليون عفية، ولا تنسى أن تدعو إلى حلقة الدبكة قبيل كل حرب: هللي يا عروبة. هل ممنوع أن تهلل العروبة يوما على الإعمار والازدهار والتقدم والكفاية وإبعاد المجاعات وإغلاق السجون؟ هل العروبة ألا يسمح لأهل ضحايا النظام وخصومه بإقامة العزاء في من يفقدون؟ هل هي في مليون جندي قتيل ومعاق ومئات آلاف الأرامل؟ هل كان ممكنا تجنب الاحتلال الأميركي، وما أعقبه؟ لا. الدبكة هي المهم.