المهندسون وحلول الحج

TT

العمارة علامة المكان ولغته، لهذا بدت الصور الظاهرة من مشعر منى في حج هذا العام غريبة بوجود مبان غير مألوفة توحي بأننا مقبلون على عمارة هذه الصحراء التي تكتظ بثلاثة ملايين إنسان لثلاثة أيام فقط في العام. ولأنها مدينة تميزت تاريخيا بالخيام البيضاء، والحجاج بملابس الإحرام البيضاء، يفترض إن كان ولا بد من دخول البنائين إلى صحاريها أن يعمروها باللون نفسه، ويحملوا ملامح المكان نفسه، لا أن يجعلوها مدينة عادية.

بداية أسس في منى مبنى واحد للخدمات الضرورية، مثل السيطرة الأمنية على الحركة والسير، وبعدها وجد مبنى ليكون مستشفى، ثم مبنى ليكون مسلخا. وفي خطوة بالغة الأهمية جرى تطوير مكان الرجم، الذي يشكل مكان الخوف الأول من الموت بسبب الزحام والضغط البشري الهائل، فوسعت دائرة الحوض والعلامة حتى صار يمكن رؤيته من مسافة بعيدة، وخشية التراكم البشري الهائل اخترع المهندسون فكرة الرجم من أدوار متعددة، فبنوا خمسة أدوار تحيط بالحوض أنهت تقريبا احتمالات الموت من التدافع.

لكن ظهرت في الخلفية العامة أربعة أبراج تبدو سكنية، لنكتشف أنها بالفعل مبان سكنية تجريبية هدفها معرفة إن كانت الفكرة تستحق التطوير، وقد أجرت الغرفة بألف وخمسمائة دولار للحاج. طبعا لا أحد يعرف ماذا ستفعل الشركة المستثمرة بهذه المباني التي تؤجرها لثلاثة أيام.. ماذا ستفعل بها بقية أيام السنة؟!

المهم أن هذه الفكرة قد تكون عملية، وربما حاجة ضرورية مع تزايد تحديات الحج الذي يتطلب توسيع المكان ليستوعب المزيد من الملايين. التحدي أن المسلم يحتاج إلى أن يحج مرة واحدة في العمر، لكن في العالم نحو مليار ونصف ولو افترضنا أن حاول كل واحد منهم الحج مرة خلال الستين عاما المقبلة لكان من الاستحالة بكل المقاييس والإمكانيات تأمين ذلك، على افتراض أن يطلب ثلاثون مليونا كل عام الفرصة لأداء الفريضة، وبالتالي الهدف هو تمكين بضعة ملايين حاج كل عام فقط. ولأن المخططين يريدون توسيع المكان واستيعاب المزيد، وفي الوقت نفسه يريدون تقليل الكوارث سنجدهم يطرحون المزيد من الحلول، بعضها مبدع مثل القطارات في المشاعر أو الأدوار المتعددة، لكن تبقى محل جدل. فكيف يمكن بناء شبكة سكك حديدية تستخدم بضعة أيام فقط في العام؟ وكيف يمكن بناء المزيد من الأبراج السكنية في المشاعر التي تؤهل بالسكان لبضع ليال قليلة في السنة واحدة ثم تبقى خالية بعد ذلك؟ الحل العملي الوحيد هو تحويلها إلى مدن دائمة، أي بناء مدن في هذه المشاعر تعيش حياة عادية مثل بقية المدن في العالم، وتصبح مثل مكة تتحول إلى مدن خاصة بالحجيج حين يحين الموسم، وهذا سيعترضه إشكال ديني.

عدا ذلك سيكون كل البناء عبئا على الدولة، وغير مفيد على المدى البعيد، بسبب صعوبات مثل الصيانة والرعاية. وفي كل الأحوال جميل أن ترى أن هناك رغبة في تقديم حلول لمعضلات صعبة مثل السلامة والازدحام والعدد في مكان بالغ الخصوصية.

[email protected]