«الخبصة» هي الحل!

TT

الجغرافيا هي أم المشاكل والمسؤولة الأولى عن تسييس مباريات كرة القدم التي توصل الدول والشعوب إلى حافة الحرب أو تكاد، مثل مباراة هندوراس والسلفادور في تصفيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 1970، أو مباراة مصر والجزائر 2009، لذا يجب أن تكون فلسفة الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) مبنية على تجنب لعنة الجغرافيا، وأن ترى كرة القدم في سياقها العالمي، وكي نتجنب ورطة الجغرافيا هذه، أتقدم إلى رئيس الفيفا بفكرة «الخبصة» والتي فيها ثلاث فوائد: أولا درء خطر المواجهات بين الشعوب والدول، وثانيا رفع مستوى كرة القدم العالمية بشكل يسعد المشاهد، أما الفائدة الثالثة ففيها فائدة للشعوب التي لا تجيد هذه اللعبة والتي يجب أن تنصرف مبكرا إلى أشياء أكثر فائدة لها. فماذا تعني فكرة الخبصة هذه؟

الخبصة تعني خلط أوراق كل الدول المتقدمة لتمهيدي كأس العالم كلها مع بعضها بعضا في ضربة واحدة تحرر الاتحاد الدولي لكرة القدم من مشكلة الجغرافيا وقرب الفرق الرياضية من بعضها بعضا فنتجنب مشكلات من نوع مشكلة مصر والجزائر في الخرطوم. هذه القرعة العامة والمعولمة ستخلط الفرق في خلاط أكبر وتنتهي بذلك قصة المنافسات القارية التي تقول إن فرق أفريقيا تصفي مع أفريقيا أولا ـ وفرق آسيا تصفي مع آسيا، إلى آخر الخلطة المعروفة. القرعة الموسعة هذه قد تؤدي إلى مباريات تمهيدية أولية تضع مثلا دولة صغيرة مثل توغو في مواجهة مع الأرجنتين في أول مباراة لفريق توغو، وتضع الجزائر مع البرازيل، ومصر مع فرنسا، والسعودية مع إسبانيا، والبحرين مع البرتغال، مثلا. في مثل هذه المباريات سيهزم فريق البحرين مثلا عشرة ـ صفر من البرتغال، وساعتها يعرف أهل البحرين أن كرة القدم ليست لعبة صممت من أجلهم، أو أنهم قد يقررون أن يتوقفوا عن دخول المنافسة لمدة عشر سنوات حتى يتحسن أداؤهم فيغلبون أربعة صفر مثلا في المباراة القادمة، أما توغو فقد تهزم عشرين ـ صفر من الأرجنتين، وبالتالي لا يصدعنا جماعة توغو بأن لهم مستقبلا في كرة القدم، وينصرفون إلى تطعيم أهلهم من الأمراض، وتنمية بلدانهم بدلا من تضييع وقتنا ووقتهم في مباريات لا هي ممتعة لنا ولا مفيدة لهم. أما الجزائر فقد تهزم من البرازيل بستة صفر، وحتى لو ضرب الجزائريون الجمهور البرازيلي فكل ما يحدث أنها ستكون أزمة لمدة ساعتين وتعدي، نتيجة للبعد الجغرافي والثقافي بين البلدين. أما الإخوة في الفريق القومي المصري فعندما يواجهون فرنسا وتغلبهم ستة أو سبعة صفر سيقررون بعدها «أنه لسه بدري» على حكاية المنافسة في كأس العالم، وأن آخرهم هي فرق أفريقيا، ولا داعي للصداع الذي يحدثه الفريق القومي كل عام بعد فوزه على فرق غلبانة في القارة السمراء. أيضا السعودية عندما تهزم من أسبانيا أربعة أو خمسة صفر دفعة واحدة سيعلم أهل السعودية أن فريقهم «لسه بدري عليه» وأن الحكاية تحتاج إلى جهد أكبر.

هذه الخبصة ستسهم في وضع الفرق في حجمها الطبيعي وتخرجها من بحر الأوهام الذي تسبح فيه نتيجة لفوزها ببطولة آسيا أو بطولة أفريقيا، إلى آخر هذه البطولات الفشنك وتضعها من البداية في الامتحان الصعب مع الفرق العالمية الكبيرة ذائعة الصيت أو مع الكرة الحقيقية في البرازيل وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وبالتالي تتعلم هذه الفرق الدرس مبكرا فتستفيد وتريح وتستريح، وتترك لنا الفرصة نحن المشاهدين أن نستمتع بكأس عالم حقيقي عندما تحل المنافسة بين الفرق الاثنين والثلاثين المتأهلة.

للخبصة أو القرعة الموسعة فوائد مهمة من حيث تنمية السياحة والثقافة لدى الجماهير التي ستضطر للسفر إلى بلدان بعيدة لمشاهدة الفريق الذي تحبه وتشجعه، فبدلا من السفر داخل المنطقة أو القارة أو الإقليم ستسافر الجماهير الأوروبية إلى آسيا، والعربية إلى أميركا اللاتينية، والأفريقية إلى أوروبا.. إلخ، فبدلا من أن تسافر الجماهير المختلفة إلى دولة واحدة مثل جنوب أفريقيا حيث تقام مباريات نهائيات كأس العالم في الفترة من 11 يونيو إلى 11 يوليو، وبدلا من النزول فجأة على بلد واحد تكون هذه الجماهير قد تهذبت من خلال السفر إلى بلدان أخرى وتعرفت على ثقافات أخرى، مما يجعلها أكثر تسامحا.

بهذه الطريقة سيخرج الجميع فائزا في المونديال القادم، المكسب لن يكون للفيفا فقط والتي بدون شك يرتقي مستواها مع كل منافسة وكل مونديال، ولكن المكسب الحقيقي سيكون أيضا في مجالي الثقافة والسياحة حيث تلتقي الشعوب وتتلاقح الثقافات إلى أبعد حد ممكن، وهذا ضروري بالنسبة لنا جميعا.

إذا ما خلطنا القرعة بالطريقة التي أدعو إليها، فستتغير المعادلة في مجال السياحة في البلدان المضيفة، فلا يجب أن ننتظر إلى عام 2014 كي تتحسن البنية التحتية في البرازيل مثلا لأنها ستستضيف المونديال أو ننتظرها حتى عام 2016 عندما تستضيف الألعاب الأولمبية حتى يتحسن وضعها.

البرازيل ربما أحسن من غيرها بكثير، ولعل البنية التحتية المتوفرة لصناعة السياحة، هي التي رشحت البرازيل لكي تكون البلد المضيف للمونديال وللألعاب الأولمبية، ولكن ماذا عن دول مناطق كالشرق الأوسط وأفريقيا؟ لا بد أن يكون هناك تدوير للمباريات حتى تستفيد جميع الدول لا دول بعينها.

لا أقول هذا من باب السخرية أو من باب الملل من الكرة السيئة التي نشاهدها في المباريات التمهيدية، وإنما أنا جاد جدا في هذا الطرح، ذلك لأن ما شهدناه في الخرطوم أمر غير مقبول الحدوث مرة أخرى، ولو تركت الفيفا الوضع على ما هو عليه فإن فرصة تكرار مثل هذه الأحداث واردة، كما أن النتائج المترتبة على مثل هذه المشاحنات قد تتطور خصوصا إذا ما كان بين الدول المتنافسة حدود برية تجعل فرصة التناحر ممكنة. السخرية من الوضع القائم في مجال كرة القدم أمر مقبول، ولكن في السخرية حديث جاد ينذرنا من عواقب حماقاتنا الرياضية والسياسية.

الدرس الذي يجب أن نتعلمه من مباراة مصر والجزائر، هو أنه يجب على الفرق الرياضية أن تدرك الحقيقة مبكرا، فلا داعي لشحن الأمم بآمال وأحلام غير قابلة للتحقيق، إذ يجب على الشعوب أن تحلم «على قدها»، لأن الشيطان يكمن في تلك الفجوة ما بين أوهام الأحلام وحقائق الواقع، وإذا ما قبلت الفيفا باقتراحي هذا تكون جنبت العالم كثيرا من الشرور وكذلك تكون قد أعتقت كثيرا من الأمم من أصفاد ومن سجون الأوهام الكاذبة.