آن الأوان لصحوة المجتمع الدولي على واقع الشرق الأوسط

TT

«في أيام النفاق الجماعي يصبح مجرد قول الحقيقة عملا ثوريا»

(جورج أورويل)

هل شارفت «لعبة القط والفأر» بين إيران والقوى العالمية الكبرى، في الموضوع النووي، على بلوغ خط النهاية؟

هل شرب المجتمع الدولي «حليب السباع» فجأة فزمجر، وأرغى وأزبد، في وجه قادة طهران لتذكيرهم بأنه ما زال قادرا على تقرير الأحجام ورسم الخطوط الحمراء؟

وهل كان الرد الأولي من قبل طهران على «التشدد» الدولي إزاء ما بات يوصف علانية بالمراوغة الإيرانية، وهو الرد الذي جاء على لسان مندوبها في فيينا علي أصغر سلطانية، مجرد مكابرة تلين لاحقا وتستكين؟ أم أن طهران جاهزة لمواجهة قد تطول أو تقصر مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى؟

الوقت لا يزال مبكرا على الجزم في ما يمكن أن يفعله أي من الفريقين.

فلا المجتمع الدولي يتمتع بالصدقية الكافية التي تسمح له بـ«المحاضرة» لدول العالم الثالث الطموحة في فضائل الابتعاد عن تطوير القدرات النووية، إذا ما تذكرنا مواقفه من «العربدة» الإسرائيلية المزمنة والردع الكوري الشمالي الفعال.

ولا إيران من القوى التي تنخدع بـ«المبادئ» الشفهية التي طالما تغنى بها قادة القوى الكبرى في الماضي، سواء عندما كانت تحت حكم الشاه.. أو اليوم بعدما غدت بإمرة سلطة الملالي.

أكثر من هذا.

قد تكون إيران، المقتنعة أصلا بأنها «دولة عظمى»، قد وصلت إلى قناعة أخرى ـ ربما تكون أكثر واقعية ـ جوهرها ألا رغبة عند المجتمع الدولي بالصدام معها، وربما لا توجد في صفوفه التزامات إجماعية طويلة الأمد بمواجهتها.

والحقيقة أن الرسائل المتضاربة وغير المباشرة التي تلقتها سلطات طهران طيلة السنتين الأخيرتين توحي بأنه لا رغبة ـ وربما لا قدرة أيضا ـ عند القوى المقرِّرة في المجتمع الدولي باستنساخ عرض العضلات الذي مورس من قبل في أفغانستان والعراق.. وانتهى بالصورة التي نرى، سواء في العالم العربي أو شبه القارة الهندية.

هنا يكمن اللغز الكبير. ذلك أن عند معظم القوى الكبرى المعنية بالملف النووي الإيراني، واستطرادا الطموح الاستراتيجي والإقليمي لقادة طهران، استحقاقات.. بعضها يقيد حركتها، وبعضها الآخر يطلق ديناميكيات جديدة من عِقالها.

ومثلما أدت النتائج الكارثية لسياسات جورج بوش «الابن» وزبانية «المحافظين الجدد» إلى انقلاب راديكالي في الحياة السياسية الأميركية، أقله على المدى القصير، فثمة استحقاقات حصلت وستحصل خلال العام المقبل لا يستبعد أن تغير الكثير من المعطيات.

ففي خريف العام المقبل ستجد إدارة باراك أوباما نفسها على موعد مع الانتخابات النصفية (أو انتخابات منتصف الولاية الرئاسية). وإذا تكررت في هذه الانتخابات النكستان اللتان مني بهما أوباما والحزب الديمقراطي في معركتي حاكمية ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي فقد يخسر الديمقراطيون السيطرة على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، مما يكبح «ثورة» أوباما ويضعف الأفكار التي يجسدها سواء على الصعيد الداخلي، أو في علاقات الولايات المتحدة الخارجية. وما يرجحه المراقبون أن أي تغيير يمكن أن يحصل ـ بغض النظر عن حجمه ـ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010.. لا يمكن إلا أن يحسّن وضعية «اليمين» في وجه «اليسار» على الخريطة الأميركية. وهذا أمر يزيد في ترجيحه قصر الذاكرة الشعبية في موضوع الأزمة الاقتصادية، مع وجود بوادر تشجع على الاعتقاد بأن الجزء الأسوأ من الأزمة قد انتهى.

في أوروبا، المعادلة بين «اليمين» و«اليسار» تبدو إلى حد ما مشابهة للمعادلة الأميركية. ولئن كان «اليسار» قد استطاع انتزاع بعض الانتصارات في الفترة الأخيرة كما حدث في اليونان، فإن الدول المحورية الكبرى في أوروبا الغربية ماضية قدما باتجاه اليمين. وبعد انتصار نيكولا ساركوزي في فرنسا، انفردت أنجيلا ميركل بزعامة ألمانيا متخلصة بفضل دعم الديمقراطيين الأحرار من «مضايقة» الاشتراكيين، والمؤشرات في بريطانيا ميالة إلى فوز قاطع لحزب المحافظين في الانتخابات المرتقبة قبل الصيف المقبل. وعليه يكون اللاعبون الثلاثة الكبار في أوروبا الغربية من «معسكر» واحد يرفع بيارق اليمين.. وفي هذا رسالة يفترض أن تكون جلية المضمون لإيران.

في المقابل، يحمل اليمين الأوروبي معه علاقات مميزة مع إسرائيل، وبالأخص، حزب المحافظين البريطاني، حيث يبرز بين كبار داعمي الحزب ماليا كوكبة من أبرز أصدقاء إسرائيل، وبالذات، اليمين الإسرائيلي. وهذا يعني، أنه بجانب العجز التاريخي المفهوم لليمين الألماني عن مجرد انتقاد إسرائيل، سيكون عند بنيامين نتنياهو، المتكبر حتى على إدارة باراك أوباما، أصدقاء يعتمد عليهم في لندن.. بعدما اطمأن إلى أن ساركوزي صفّى تركة جاك شيراك في باريس.

في ظل هذا الوضع المعقد، الذي لا يشجع إطلاقا على التفاؤل بمقاربة دولية عقلانية وأخلاقية لأزمات منطقة الشرق الأوسط، سيجد المجتمع الدولي صعوبة في التذرع بذرائع منطقية لكبح جماح «إيران النووية» طالما أنه لا أحد يجرؤ على ذكر إسرائيل في السياق ذاته.

وهذا، مع أن كل من يفهم الشرق الأوسط ويعرف العالم الإسلامي جيدا يدرك استحالة الكيل بمكيالين في الموضوع النووي من دون إسداء خدمة كبرى للتشدد الأصولي الإسلامي.

ثم حين تطرح طهران اليوم نفسها «قوة» مقاتلة في سبيل «جميع» المسلمين ومن أجل تحرير «كل» مقدساتهم، ونرى ونسمع ما تريد حكومة الليكود فعله وما تصر على فعله حقا، يتضح لأي عاقل أنه ما عادت هناك من فائدة ترتجى من العلاجات التقليدية بمخدرات الدبلوماسية والوعود، التي طالما اقترحتها الدول الغربية من دون التزام ثابت بالوصول بها إلى النتيجة المطلوبة..

أضف إلى ذلك أن العالم العربي الذي طالما خُدع، وسمح لنفسه بأن يُخدَع.. مثنى وثلاث ورباع، غدا من الهشاشة والضعف حدا خطيرا. وسيكون من العبثية المخيفة مواصلة اعتماد الوصفات السابقة معه.

فهل، بقيت هناك بقية من شجاعة لحسم عادل قابل للحياة؟