أمور في الكنتور

TT

اللهجات المختلفة تحيرني وخصوصا بين الشعوب الناطقة بنفس اللغة. فما هو تأثير البيئة والثقافة على لغة التواصل بين الناس؟

من حسن حظي أنني اختلطت من خلال العمل بزملاء وزميلات من مختلف البلدان العربية. وكانت تلك هي بداية اصطدامي باختلاف وسائل التعبير رغم أننا جميعا نعيش في ظل ثقافة عربية أساسها لغة القرآن الكريم. تدريجيا أدركت أن التاريخ والجغرافيا يلعبان دورا فعالا في التأثير على اللغات الدارجة في البلدان المختلفة. ففي العامية المصرية مفردات يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني، ومنها كلمة «امبو» ومعناها الماء. وما زالت مدينة كوم امبو وهي أحد المقاصد السياحية الفرعونية تحمل هذه التسمية.. وفي عصور متتابعة من الاستعمار اكتسبت العامية المصرية مفردات تركية وفرنسية وإنجليزية حرفت تدريجيا وأصبحت متداولة للتعبير عن معان مختلفة.

كثيرا ما أتمنى أن تروق الفكرة لمتخصص يستهويه البحث في أصول المفردات التي تسللت إلى اللغة وأصبحت جزءا منها لا في مصر فقط بل في سائر البلدان العربية الأخرى.

والطريف أن اختلاف الأماكن واختلاف الظروف أدخلت على اللهجات العربية العامية المختلفة مفردات يفهمها أبناء البلد الواحد، ولكنها تستعصي على فهم أبناء بلد عربي آخر.

من المواقف الطريفة التي سببها هذا الاختلاف في استخدام مفردات العامية أنني في بداية مشاركتي في تقديم برنامج تلفزيوني عملت مع منتج منفذ لبناني مهمته أن يشرف على ضبط إيقاع البرنامج أثناء التسجيل، بحيث يتواصل مع المذيع عبر سماعة ترقد في الأذن ليتلقى عبرها المذيع توجيهات المنتج المنفذ. أذكر أننا كنا في نقاش مع ضيف وكنت مسترسلة في التعبير عن رأيي بقوة فسمعت صوتا في أذني يقول: كفي.. وهنا فعلت العامية المصرية فعلها لأني توقفت عن الكلام. وحل الصمت محل الحوار وكل الأنظار مصوبة نحوي إلى أن أسعفتني البديهة بحل.

بعد انتهاء البرنامج فهمت أن: كفي تعني استمري في العامية اللبنانية حتى وإن كانت تعني توقفي في العامية المصرية.

هذا التناقض ينسحب على مفردة أخرى توظف في العامية المصرية للدلالة على ميل صاحبها للدعابة والتلاعب. أن تصف صبيا بأنه عكروت هو أن تصفه بالشقاوة وخفة الدم. ولكن هذه الصفة تحمل في طياتها إهانة أخلاقية بالغة السوء في العرف العامي اللبناني. ولا ينتهي الاختلاف هنا فأنت إن ناديت على زيد بالعامية اللبنانية فأنت تعيط لزيد. ولكنك أن عيطت لزيد بالعامية المصرية بكيت بين يديه وذرفت دمعا ساخنا.

وهذا ما اكتشفته أيضا عن الفرق بين البسطة المصرية والبسطة العراقية. أن تبسط مصريا هو أن تدخل السرور على نفسه. وأن تبسط عراقيا هو أن تشبعه ضربا حتى يستغيث.

ولا تستعجل في رفض الزنباع إن كنت زائرا في تونس. فالزنباع هو نوع من الموالح الغنية بفيتامين سي. وإن كنت في ليبيا فلا ترفض الدلاع خصوصا في فصل الصيف. فالدلاع هو البطيخ الذي خلقه الله رحمة للعالمين في البلاد الحارة. وإن كنت في المملكة العربية السعودية فلا ترفض دعوة لتذوق الفصفص. فالفصفص هو البذور المملحة التي يسميها المصريون باللب.

وأخيرا فكر في معنى الكنتور والدولاب، وفي معنى هذه الأفعال وفي أصولها وكيف استقرت في معجم اللغة: يزرب، يسولف، يطيح ويبلش. فإن نجحت، فكل شيء منيح ومزيان وباهي وزاكي أيضا.