أمة القاف

TT

اعتدنا على تسمية أنفسنا بأننا أمة الناطقين بالضاد. والظاهر أن القدرة على نطق الضاد هي الميزة الوحيدة التي نستطيع فيها التميز على بقية الأمم. ولكن إذا كان حرف الضاد يجمعنا فحرف القاف يفرقنا. فحسب معرفتي، لم أجد أحدا ينطق القاف بالصوت الكلاسيكي القرآني غير يهود العراق. وقد أخذوا معهم ذلك إلى إسرائيل. المصريون وأهل الشام لا ينطقون القاف مطلقا ويحلون الهمزة محله. في السودان وجنوب العراق يحلون حرف الغين محله. وفي منطقة الخليج ووسط العراق وصعيد مصر ينطقون القاف بالكاف المعجمة، وهكذا.

بيد أن القوميين ودعاة الوحدة العربية حاولوا التمسك بنطق القاف بالصورة الكلاسيكية. هكذا كنا نسمع أحمد سعيد يتكلم من إذاعة صوت العرب من القاهرة. وكان من هذا الرهط الأديب المصري الدكتور محجوب ثابت. كان بينه وبين سليمان فوزي ما صنع الحداد، وإن كنت لا أعرف ماذا صنع الحداد. لكنه كان يقول عنه متشكيا «يشتمني في زفة ويصالحني في عطفة».

بذل أحمد شوقي قصاراه ليصلح بينهما ولم يوفق. فكتب قصيدة يداعب فيها صاحبه الدكتور ويظهر إصراره على لفظ حرف القاف بالصوت القرآني. استهل القصيدة بسلسلة من القافات:

يمينا بالطلاق وبالعتاق

وبالدنيا المعلقمة المذاق

لم يكن لمحجوب ثابت زوجة ولا عشيقة ليطلقها أو يعتقها ولكنها كانت كلمات ذات جرس قافي أو قفقاني لذيذ. ومضى الشاعر يقعقع ويقوقي بالقافات:

وبالخطب الطوال وما حوته

وإن لم يبق في الأذهان باق

وكسري الشعر إن أنشدت شعرا

ونطقي القاف واسعة النطاق

أيشتمني سليمان ابن فوزي

و«بايبي» في يدي ومعي «تباقي»

تقاقي ذقنه من غير بيض

ولي ذقن تبيض ولا تقاقي

أنا الطيار رجل في دمشق

إذا اشتدت ورجل في العراق

ألا «طز» على العيهود «طز»

وإن أبدى مجاملة الرفاق

بقارعة الطريق ينال مني

ويوسعني عناقا في الزقاق

فسبحان المفرق، حظ قوم

قناطير، وأقوام أواقي

أمور يضحك السعداء منها

ويبكي البلشفي والاشتراقي