عراقيا.. الحل في العودة إلى خط الصفر

TT

فوضى وأكاذيب وفساد واغتيالات وفبركات كيدية وتخلف واستئثار وانتقام، هذه هي علامات الوضع القائم في العراق. وكل ما يقال خلاف ذلك لا يستحق الاهتمام. وإذا كان هذا هو المخاض الطبيعي للديمقراطية فلن تلد للعراق والعالم خيرًا، ولم يعد من خيار منصف وناجع غير الرجوع إلى خط الصفر الذي كانت عليه الأوضاع في العاشر من أبريل 2003.

دستور مختلف عليه عجز السياسيون عن تعديله، وبرلمان يتحرك بإشارات الكتل المتحكمة المختلفة، وحكومة تتحرك وفق نهج طائفي لا مثيل له، وتحكم في مقدرات الناس لا سابق له، وتمزق في النسيج الوطني حتى أصبح مهلهلا، وأهدر مئات بلايين الدولارات بلا جدوى، وتلاعب في أعداد المقاعد المستقبلية للبرلمان بطريقة لم تمر على بلد آخر. فأي سوداوية أكثر من هذه يمكن توقعها؟

العرب السنة متهمون بالشوفينية والطائفية التكفيرية، والأكراد متهمون بالنزعة الانفصالية، والشيعة متهمون بموالاة إيران وبتصرف طائفي مطلق، والأميركيون متهمون بالتآمر، والفقراء منتهكة حقوقهم ويصرخون من عدم الإنصاف في نفس الوقت الذي تصدح فيه أصوات القمع الديني من مكبرات أصوات المساجد والفضائيات والمنابر الخطابية.

اتخذ طارق الهاشمي قرارا بنقض قانون الانتخابات الجديد فصفق له العرب السنة، ثم انقلبت جماعات منهم عليه وحمّلوه مسؤولية القانون اللاحق، وتلقى اتهامات من مهندسي القانون الجديد بتخريب العملية السياسية. فلم يبق أمامه غير نقض القرار الجديد وخوض الصراع حتى يكتب الله له ولغيره ما يريد، أو أن يقدم استقالته ويستريح، والانتقال إلى دولة أخرى، لأن من المستحيل الحفاظ على سلامته.

السبب يتحمله (الجميع)، ولا أحد غير الله قادر على فعل شيء غير الأميركيين لهذه الحال المأساوية، وعليهم اتخاذ أحد قرارين شجاعين، فإما المباشرة الفورية بسحب قواتهم (كاملة) وإحالة الأمر إلى الله، وإما الإقرار بالخطأ والعودة إلى خط الصفر الذي كانت عليه الأوضاع في العاشر من أبريل 2003! أما الحلول التخديرية فلن تؤدي إلا إلى المزيد من الظلم والإجحاف وتقود إلى تقسيم العراق، وإثارة حرب دونها حرب البسوس ولو بعد حين.

والحلول بسيطة وممكنة وعملية، وهي:

حل البرلمان ووقف العمل بالدستور أو إلغائه (بقرار أممي) مثلما ألغي دستور ما قبل 2003، وإقالة حكومة المالكي، وحظر الأحزاب الدينية حظرا شاملا، وتشكيل حكومة ليبرالية لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات قابلة (للتجديد)، يفرض خلالها الأمن ويباشر بالإعمار وإجراء تعداد سكاني، والسماح بتشكيل أحزاب سياسية توضع لها أسس التجمع لا التفرق، كأن تكون (3 ـ 4) أحزاب من دون مسحة دينية، ووضع العراق تحت رعاية الأمم المتحدة. ريثما تتوافر فرص الانتخابات لنظام ديمقراطي حر.

ولفرض الأمن، توضع القوات الأمنية بكافة فروعها، الجيش والشرطة والأجهزة الخاصة، تحت قيادة واحدة تسمى القيادة العامة للقوات المسلحة الوطنية، يجري ربطها مباشرة بالقائد العام لقوات أممية في العراق. وتجري إعادة ضباط الجيش السابق إلى الخدمة دون قيود (لمن يرغب).

ولمعالجة الإرهاصات المتوقعة يجري نشر قسم من القوات الأميركية على خط محاذ للحدود العراقية الإيرانية، وتحديد الحركة على خطوط معلومة فقط، وتوجيه تحذير للحكومة الإيرانية من مغبة التدخل في الشأن العراقي، وإغلاق السفارة الإيرانية في بغداد، ومنع تدخل الدول الأخرى في الشأن العراقي بأي شكل. ويُطمأن قادة المؤسسات الأمنية والعسكرية الحالية في المحافظة على التعامل معهم وفق متطلبات التطوير الأمني، ومنع الظواهر الدينية والطائفية والعرقية والحزبية في هذه الأجهزة.

وفي حال معارضة أشخاص من أطراف صاحبة غرض سيئ لعملية التغيير يجري التعامل معهم قانونيا بلا مواربة أو حسابات تعطي وزنا لعناصر الفتن، وسيظهر أنهم أضعف من أن يتمكنوا من التصدي لعملية إنسانية وحضارية خلاقة كهذه بعد أن فشلت كل التجارب الأخرى.

إن علاجا كهذا سيأتي بنتائج إيجابية على كافة المستويات العراقية والعربية والدولية، وسيجد العراقيون فيه متنفسا حقيقيا للتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم، ولا شك في أنهم سيؤيدونه بحماسة لا نظير لها، وستطوى صفحات التشرذم والاقتتال، وسيجد الإرهابيون أنفسهم منبوذين، وستختفي حاضناتهم حتى الفردية منها، ليبدأ العراق مشوار العودة الجدية عضوا فاعلا في المجتمع الدولي.

إن الحكومة الانتقالية التي تشكل لا ينبغي إشراك أي مسؤول فيها من حملة الأفكار الدينية السياسية والتفكيكية، وعليها ضمان حقوق العراقيين بالتساوي. وتكون خاضعة في مراحلها الأولى لإشراف الأمم المتحدة، لمنع الانحرافات وتعزيز قدراتها الفنية والعلمية والإدارية.

إن قرارا كهذا سيحسم الموقف بأسرع مما يعتقده البعض أو يروج له المتخلفون وأصحاب النيات السيئة. أما إذا قيل إن العراق بخير ويسير على الطريق الديمقراطي فالمستقبل هو الحكم! وعلى الأقل لوحوا لهم بهذا!