الدستور لا يقف عائقا

TT

هل سيخوض الكونغرس معركة تمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية فقط لإعلان عدم شرعية أحد الأعمدة الرئيسية ـ حيث ستتم مطالبة الأفراد بالحصول على التأمين؟ لقد كان ذلك جدالا مثيرا بالنسبة لمحاضرة حول القانون الدستوري. ولكن ذلك لا يمثل إشكالا كبيرا في العالم الحقيقي. فيقول وولتر دلينغر القائم بأعمال المدعي العام في إدارة كلينتون: «هذه ليست قضية جدية». ولكن ذلك الجدل اكتسب أهمية في بعض الأنحاء وبالتالي أصبح من الضروري أن نشرح السبب الذي من أجله يمنح الدستور الكونغرس السلطة لفرض تكليفات محددة على الأفراد. هناك إجابتان موجزتان: السلطة لتنظيم التجارة بين الولايات والسلطة لفرض الضرائب.

أولا: فيما يتعلق بالتجارة، فإن الإنفاق على الرعاية الصحية يستهلك 16% ـ ويتزايد ـ من الناتج المحلي الإجمالي، حيث لا يوجد أي نشاط فردي آخر له تأثير أكبر على التجارة من استهلاك الرعاية الصحية.

فإذا دخلت إلى غرفة الطوارئ من دون أن يكون لديك تأمين، سينعكس تأثير ذلك على مجمل الاقتصاد القومي؛ مما يرفع التكلفة وأقساط التأمين بالنسبة للجميع. وإذا ذهبت من دون تأمين، فسوف يقل إجمالي عدد الأفراد المؤمن عليهم ـ بافتراض أنك شاب وبصحة جيدة ـ وسوف ترتفع قيمة أقساط التأمين كذلك.

كما تمكن تلك الفقرة الكونغرس من «أن ينظم التجارة.. بين عدد من الولايات»، وهو أمر ربما لا يبدو بعيد المنال. ولكن منذ «الصفقة الجديدة»، فسرت المحكمة العليا هذه السلطة بما يمكنها من التعامل مع الأنشطة المحلية ذات العواقب الدولية.

وفي قضية ويكارد فيلبورن في عام 1942، أفاد حكم القضاة بأنه بالرغم من أن ذلك النشاط ربما يكون «محليا، وبالرغم من أنه يمكن ألا ينظر إليه باعتباره تجارة، فإنه ما زال يمكن أن يخضع للكونغرس بغض النظر عن ماهيته، وعما إذا ما كان سيمنح تأثيرا اقتصاديا مهما على التجارة بين الولايات الأميركية أم لا».

وبالرغم من ذلك قالت المحكمة إن الكونغرس كان مخولا بإخبار روسكو فيلبرن عن قدر القمح المسموح له بزراعته لإطعام الدجاج الذي يربيه. ومما لا شك فيه أن الكونغرس قد طالب حفيد فيلبرن كذلك بشراء التأمين الصحي. وقد حدت المحكمة من مدى تطبيق تلك الفقرة المتعلقة بالتجارة خلال السنوات الماضية ـ ولكنها في الوقت نفسه أكدت الجزء المتعلق بويكارد.. وذلك في الوقت الذي اكتشفت فيه أن الكونغرس تجاوز صلاحياته في المواقف الذي اتخذ إجراءات بشأنها، حيث تم فرض القيود على الحركة التجارية بين الولايات: حمل السلاح بالقرب من المدارس أو العنف المتعلق بالجنس.

وفي قضية في لوبيز، اكتشفت المحكمة أن قانون منطقة المدارس الخالية من السلاح «ليس جزءا ضروريا ضمن القانون المنظم للأنشطة الاقتصادية والذي يمكن بمقتضاه الحد من الإجراءات التنظيمية ما لم يتم تنظيم النشاط التجاري بين الولايات».

ويعد إلزام الأفراد بالتأمين الصحي هو «الصورة المقابلة لقضية لوبيز كقضية متعلقة بالفقرة الدستورية الخاصة بالتجارة»؛ وذلك وفقا للورانس ترايب الأستاذ بأكاديمية هارفارد للقانون.

ومما لا شك فيه أن هناك فارقا بين تنظيم نشاط يختار الفرد الاشتراك فيه ومطالبة الأفراد بشراء بضائع أو خدمات معينة.

كما أن هناك فارقا بين أن تجعل التأمين على السيارات إجباريا كشرط لكي يتمكن الفرد من الحصول على سيارة، وأن تجعل التأمين الصحي إجباريا سواء كان الفرد راغبا به أم لا. ولكن إجبار الأفراد هو جزء أساسي من جهود أكبر لإصلاح سوق التأمين؛ فربما لا يمتلك الكونغرس السلطة التي تسمح له بأن يفرض على الجميع الذهاب للتسوق لتعزيز الاقتصاد، ولكن التأمين الصحي أمر ضروري للغاية بالنسبة للرعاية الصحية، كما أن إجبار الأفراد تمت إضافته مع جهود إصلاح النظام، وبالتالي فإن ذلك يمثل فارقا، وربما يجعل من ذلك قضية مختلفة تماما.

من الواضح أن الكونغرس لديه بالفعل السلطة التي تمكنه من مطالبه الموظفين بشراء التأمين الصحي لفترة تقاعدهم من خلال فرض ضريبة على الرواتب لتمويل برنامج «ميديكير» للرعاية الصحية. كما أنه من المستغرب بالنسبة للمحافظين الذين يتحسرون على استيلاء الحكومة على الرعاية الصحية أن يشتكوا من أن يفرض على الناس التوجه للقطاع الخاص.

وهو ما يقودنا إلى المصدر البديل لسلطة الكونغرس «السلطة بفرض وجمع الضرائب والرسوم، رسوم الوارد، والضرائب غير المباشرة».. حيث ستتم إدارة كيفية إلزام الأفراد من خلال القوانين الخاصة بتحصيل الضرائب: فعندما يملأ دافع الضرائب الاستمارات التي سيدفع بموجبها، سيكون عليه تقديم الدليل على وجود ما يكفي من التأمين، أو سيكون مضطرا لدفع غرامة ما لم يكن لديه سبب قوي للإعفاء.

ويشبه أستاذ القانون بجامعة ييل للقانون جاك بالكين ذلك بزيادة الكونغرس للأموال المخصصة لبرامج الحفاظ على البيئة من خلال فرض الضريبة على الشركات الملوثة للبيئة. ويضيف: «إن الكونغرس مخول برفع العائدات من الأشخاص الذين تتسبب سلوكياتهم في مشكلات اجتماعية كان الكونغرس يسعى لعلاجها من خلال برامج حكومية جديدة».

ويستشهد بالكين بقضية المحكمة العليا في 1950 التي أيدت فيها فرض ضريبة على موزعي الماريغوانا.. حيث قالت المحكمة: «يتجاوز الأمر كونها قضية مهمة، حيث لا تفقد الضريبة شرعيتها نظرا لكونها تنظم أو لا تشجع أو حتى تردع الأنشطة التي تم فرض الضريبة عليها. ويتم تطبيق المبدأ حتى وإن كانت العائدات التي تم الحصول عليها قليلة للغاية، أو ربما يصبح هدف الحصول على عائدات من الضرائب أمرا ثانويا».

بالنسبة لي، فإن ذلك يشبه إلى حد كبير فرض التأمين الصحي على الأفراد.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»