أوباما يحتاج إلى الشعور بالحرارة

TT

تلك هي قصة رئيسين، باراك أوباما من الولايات المتحدة ومحمد نشيد من جزر المالديف. كلاهما شاب ويتمتع بشخصية كاريزمية، وكلاهما انتخب خلال الخريف الماضي ليحل محل رئيس فقد مصداقيته (حيث كان سلف نشيد يحكم جزر المالديف لأكثر من ثلاثة عقود وكان يحتجزه بالسجن السياسي لعدة سنوات). وكلاهما كانت لديه هيئات تشريعية مزعجة (يهيمن الحزب المعارض على المجلس التشريعي في جزر المالديف).

ولكن فيما يتعلق بالقضية الكبرى التي يواجهها كوكبنا ـ إذا كنا سوف نتخذ إجراءات تستهدف إبطاء عملية الاحترار العالمي ـ فإنهما على طرفي نقيض.

فأولا، يقود نشيد المعركة، بينما نظيره ـ الذي أعلن كما رأينا استبعاده لوجود معاهدة جديدة في وقت قريب ـ هو أحد المشاركين فقط في تلك المعركة. ربما يذهب كلاهما إلى مؤتمر المناخ الذي ترعاه الأمم المتحدة في كوبنهاغن خلال الشهر الحالي، ولكن نشيد سوف يذهب لكي يقول: استغلوا الفرصة. وإذا ذهب أوباما فإنه سوف يذهب لكي يقول بطريقة مهذبة: يبقى الوضع كما هو عليه.

ولكي نفهم الفارق بين الرجلين، يجب علينا أن نفهم الكثير حول السياسات المتعلقة بالاحترار العالمي بالإضافة إلى فرص عقد اتفاقية فعالة بشأن التغير المناخي خلال العام الحالي أو الذي يليه.

وفي حالة نشيد، فإن الجغرافيا تفرض عليه أن يكون واضحا؛ فدولته هي عبارة 1200 جزيرة صغيرة تحيط بكل منها سلاسل من الشعاب المرجانية، والشواطئ ذات الرمال البيضاء ونخيل جوز الهند. تحول جزء صغير من هذه الجزر إلى منتجعات سياحية بينما ما زالت معظم المنطقة غير مسكونة أو يقطنها سكان يعيشون على صيد السمك متخلفون عن الحضارة بآلاف السنين. ولكن أعلى نقطة في معظم هذه الجزر لا تعلو سوى عدة أقدام فوق سطح البحر. وبالتالي فهم لا يستطيعون التعامل مع ارتفاع الأمواج التي يؤكد كافة الخبراء أنه سوف يحدث كنتيجة للاحترار العالمي، كما أنهم لا يستطيعون التعامل مع الشعاب المرجانية التي تتعرض للدمار نظرا لارتفاع درجة حرارة المياه ولأنها سوف تصبح أكثر حمضية. وبالتالي، جعل نشيد أكثر من أي قائد آخر على الكرة الأرضية من الاحترار العالمي قضيته الأساسية.

كما أنه مطلع على أحدث ما توصل إليه العلم بشأن هذه القضية؛ فهو مثلا يعرف أن وضع أهداف مثل محاولة تقليل الاحتباس الحراري حتى درجتين مئويتين ومستوى ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو إلى 450 جزءا لكل مليون، لم تعد أهدافا قابلة للتحقيق. ولكن ما يؤكده العلم حاليا هو أن تحقيق هدف أكثر صعوبة ـ الوصول إلى 350 جزءا لكل مليون ـ هو فرصة بلاده الوحيدة للنجاة.

ومن جهته، قال راجيندرا باشوري العالم الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل عن عمله في مجال المناخ: عند مستوى 450 جزءا لكل مليون، فإن جزر المالديف والعديد من الجزر الأخرى بالإضافة إلى بعض الدول التي تقع على ارتفاع منخفض مثل بنغلاديش «سوف تتعرض للدمار الكامل».

وهو ما دفع نشيد للعمل؛ وكانت بعض الإجراءات التي اتخذها رمزية للغاية: ففي إطار اليوم العالمي للتغير المناخي الذي ساعدت في تنظيمه، قام بتدريب مجلس الوزراء بأكمله على الغطس كي يتمكنوا من عقد اجتماع تحت المياه بين الشعاب المرجانية المعرضة للخطر؛ وقد وقعوا على قرار يتم تقديمه في قمة كوبنهاغن يطالب الأمم المتحدة باتخاذ خطوات لإعادة مستويات الكربون في طبقات الجو إلى 350 جزءا لكل مليون.

ومن جهة أخرى، كانت بعض الإجراءات التي اتخذها عملية للغاية: فلكي تظهر استعدادها للتعاون، تعهدت جزر المالديف (دولة فقيرة) بأن تصبح محايدة الكربون بحلول عام 2020، وبالفعل فإن لديها العديد من أبراج الهواء على طول الطريق، كما أنني اطلعت على خطط لزراعة الطحالب البحرية لإنتاج وقود حيوي.

أما الرئيس أوباما فهو على النقيض تماما من ذلك، فقد اتخذ بالفعل إجراءات أكثر مما اتخذ الرؤساء الثلاثة السابقون مجتمعين؛ حيث اتخذ خطوات مثيرة فيما يتعلق باقتصاد وقود السيارات، ووضع جزءا من أموال صندوق الحفز في خطط للوظائف المتوائمة مع البيئة وأحاط نفسه بطاقم ممتاز من الخبراء ومن العلماء. ولكن مسألة أنه اتخذ خطوات تفوق ما قام به جورج بوش فيما يتعلق بالاحترار العالمي تشبه إلى حد كبير القيام بدور أكبر مما قام به جورج والاس فيما يتعلق بالقضاء على التمييز العرقي. فذلك يعطيك غطاء سياسيا ولكنه لا يفيد فيما يتعلق بخطر ذوبان القطب الجنوبي.

وبالتالي فليس مفاجئا أن يلتزم المتحدثون الرسميون باسم أوباما على المستوى العالمي بهدف 450 جزءا لكل مليون مربع مطلقين عليه القرار العلمي الجمعي المتفق عليه حينما لم يعد ذلك واقعا. وبالتالي فليس مفاجئا أن أوباما قد حول تشريع المناخ إلى الكونغرس لمناقشته، حيث إنه قد وضعه بعد قضية الرعاية الصحية على قائمة أولوياته. ونظرا لأن المشروع لم يقض سوى عدة سنوات في مجلس الشيوخ، فيجب أن يكون الرئيس قادرا على توقع ما يمكن أن يحدث: مثلما لاقى مشروعا القانون «واكسمان ـ ماركي» (النواب) و«كيري ـ بوكسر» (الشيوخ) الكثير من المنح التي تخدم العديد من المصالح الخاصة والعديد من الثغرات التي تقوض تحقيق تلك الأهداف. ويبدو أنه تم وضع تشريع مجلس الشيوخ في يد جو ليبرلمان المستقل عن كونيتيكت، وليندسي غراهام الجمهورية عن كارولينا الجنوبية لإضافة المزيد من التعديلات التي تخفف من حدته وهو الإجراء الذي يبدو من الناحية العلمية أنه سيسفر عن نتائج إيجابية. وحجة أوباما هي أن مجلس الشيوخ لن يوافق على تشريع متشدد بشأن التغير المناخي، وبالتالي فإنه لا نفع من السعي وراء ذلك. (وهو محق في ذلك ـ فمجلس الشيوخ متشدد؛ وبالتالي تعمل مؤسسة 350.org، وهي المؤسسة التي شاركت في تأسيسها والمختصة بالتعامل مع المشكلات الناجمة عن قضية التغير المناخي، على تنظيم صلوات على ضوء الشموع في مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ في كافة أنحاء البلاد) ولكن ما يقوله هو استسلام قبل بدء المعركة، فهو لم يتخذ إجراءات مشابهة للإجراءات التي حاول نظيره نشيد أن يحشد من أجلها دولته وغيرها من الدول.

فهل تتخيل أي رئيس أميركي مستعدا لأن يصطحب مجلس الوزراء تحت المياه في سواحل فلوريدا كيس. أو الأكثر واقعية، هل تتخيل أن يصطحب الرئيس الأميركي وسائل الإعلام إلى «غلاسيير ناشيونال بارك» لتسلق الجبال الجليدية المتآكلة، ثم يصطحبهم في رحلة طيران فوق ملايين الأكرات من أشجار الصنوبر الميتة التي تغطي معظم أجزاء الغرب، أو أن يصطحبهم للوقوف على السدود في نيوأورليانز. هذا هو نوع العقبات التي نجح الرئيس أوباما في تجاوزها خلال حملته الانتخابية؛ وهي الأشياء التي يبدو أنه قد نسيها فور توليه المنصب. وهي بالضبط الأشياء التي يجب عليه القيام بها إذا ما كنا سوف نتعامل مع التغير المناخي خلال الوقت القصير الذي يمنحنا إياه العلم؛ فمشروع قانون الرعاية الصحية المعتدل شيء مختلف؛ حيث كان يمكن إصدار قانون أقوى من ذلك. وربما يعاني الناس في الوقت الراهن، ولكن المشكلة لن تصبح أسوأ مع مرور الوقت. أما بالنسبة لقضية المناخ فهي قضية تعج بالعراقيل وبنقاط التحول ـ إذا تزايدت درجة الحرارة حتى ذوبان الطبقات الجليدية تحت الأرض التي تحول دون إطلاق كميات كبيرة من غاز الميثان، فلن يتمكن أي رئيس في المستقبل من التحكم في الحرارة. وإذا كان هناك تحدٍ يتطلب بذل الجهد فإنه ذلك التحدي.

لقد أشرف كل من نشيد وأوباما على اجتماعات قمة خلال الأيام القليلة الماضية. حيث جمع نشيد قادة 11 دولة من الدول المهددة على الأرض في جزيرة على مقربة من عاصمة بلاده، توصلوا إلى ميثاق يطلق عليه «عالم 350 جزءا لكل مليون» والذي يمكن أن يعني أن تحاول العديد من الدول ـ بما فيها دولتنا ـ اتباع نهج المالديف في الاتجاه بسرعة باتجاه الكربون المحايد. فإذا ارتفعت درجات الحرارة درجتين مئويتين «سوف نخسر الشعاب المرجانية، وسوف يذوب الجليد في غرينلاند ولن تتمكن بلادي من النجاة. وكرئيس لهذه البلاد، لا أستطيع أن أقبل ذلك. وكمواطن فإنني لا أستطيع قبوله كذلك. كما أنني أرفض الإذعان لفكرة أن الوقت أصبح متأخرا وأننا لا نستطيع عمل شيء حيال ذلك. فكوبنهاغن هو ميعادنا مع القدر. فلنذهب إلى هناك محملين بخطط أفضل». وقد رد عليه الرئيس أوباما بعد عدة أيام في قمة التعاون الاقتصادي الآسيوية الباسيفيكية في سنغافورة. فوفقا لما قاله أحد المتحدثين الرسميين باسم الولايات المتحدة: «تشير تقديرات القادة إلى أنه ليس واقعيا أن نتوقع التوصل لاتفاقية دولية قانونية متكاملة وملزمة في الفترة ما بين هذه القمة وكوبنهاغن التي سوف تبدأ خلال 22 يوما».

إن ذلك ليس فقط هراء بل إنه هراء محزن. فميعاد كوبنهاغن محدد قبل سنوات، وليس مفاجئا أن يقفز أحدهم على الرئيس الذي قال بعد انتخابات العام الماضي مباشرة: «عندما أتولى المنصب، تأكدوا أن الولايات المتحدة سوف تعود للمشاركة الفعالة في هذه المفاوضات وتساعد على قيادة العالم صوب عصر جديد من التعاون الدولي بشأن التغير المناخي. كما أنه الوقت الملائم لمواجهة ذلك التحدي بشكل حقيقي وقاطع. فلم يعد التأجيل خيارا. كما لم يعد الإنكار إجابة مقبولة. فالمخاطر كبيرة للغاية».

ولم تقل تلك المخاطر خلال الاثني عشر شهرا الماضية، بل إن وكالة الفضاء «ناسا» أصدرت يوم الاثنين تصريحات جديدة تفيد بأن العالم سجل في الفترة من يونيو (حزيران) إلى أكتوبر (تشرين الأول) ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة. وفي الوقت نفسه، كان المسؤولون عن الجوع في قمة الأمم المتحدة يتحدثون حول أبحاث جديدة تشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من درجتين ربما يقلل المحاصيل بمقدار الخمس في الدول الفقيرة. ومن جهة أخرى، أظهرت دراسة جديدة أن تزايد أعداد قناديل البحر جاء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة مما يقضي على جزء كبير من الثروة السمكية التي يتغذى عليها البشر. وفي نفس الوقت ـ ويوما بعد يوم ـ تتزايد القائمة.

دائما ما يحظى الرئيس أوباما بالتقدير والثناء نظرا لهدوئه ونأيه عن التوجهات الدرامية ولصبره، ولكن ربما يجب عليه أن يتعلم بعض الأشياء من نشيد.

* أكاديمي في جامعة ميدلبري ومؤلف كتاب «نهاية الطبيعة»

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»