غصن الزيتون الذي حمله بن أليعازر إلى تركيا

TT

فيما كان وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر «صديق تركيا القديم» كما يصف هو نفسه، يحزم حقائبه ويستعد لزيارة أنقرة للمرة العاشرة، في محاولة لإنهاء أكثر من 10 أشهر من القطيعة السياسية بين البلدين، كانت المقاتلات الإسرائيلية تنفذ أوامر تل أبيب بمهاجمة الأهداف السكنية والمدنية في غزة تماما كما كانت تفعل في مطلع العام عندما قررت تركيا إدانتها وتجميد العلاقات السياسية معها بسبب سلوكها الاستفزازي التصعيدي هذا. عناد تركي قبل أشهر بسبب الحرب على غزة قاد إلى القطيعة، وعناد إسرائيلي اليوم بتجديد الهجمات ضد المناطق السكنية في المدينة يتزامن مع زيارة اليعازر التي تجري تحت عنوان إنهاء القطيعة!

فيما كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يغادر مطار أنقرة قاصدا العاصمة الليبية ومتجنبا اللقاء بالضيف الإسرائيلي، كان نائبه بولنت ارنش يقابل «صدفة» الوزير الإسرائيلي في المطار ليخرج من اللقاء معلنا أن تركيا يهمها أن تكون علاقاتها بإسرائيل مستقرة ومنتظمة على كافة الصعد وأن أنقرة تبذل جهدا من أجل تحقيق ذلك، كان بن اليعازر يردد على مسامعه أنه حضر على رأس وفد اقتصادي رفيع يضم أكثر من 20 شخصية من أهم رجال الأعمال الإسرائيليين لتوقيع عقود واتفاقيات تجارية جديدة مع الأتراك متمنيا أن تساهم بأسرع ما يمكن في إزالة السحب السوداء التي خيمت على العلاقات بين البلدين.

فيما كان وزير الخارجية الإسرائيلي القومي المتطرف أفيغدور ليبرمان يعلن أن زيارة بن اليعازر إلى تركيا لا تعنيه ولا علاقة للخارجية الإسرائيلية بها وأن تركيا فقدت فرصتها في لعب دور الوسيط بين تل أبيب ودمشق. وفيما كان نتنياهو يكرر من بعيد أن القدس خارج أية مساومة سياسية وأن تجميد الاستيطان في الضفة جزئي ومرتبط بأكثر من خطوة فلسطينية لا بد منها، كان شريكهما في الائتلاف الحكومي بن اليعازر يردد أنه يزور تركيا باسم الحكومة الإسرائيلية وبعلم وتكليف من قبل رئيس وزرائها ويقول إن تركيا كانت وستظل شريكنا الاستراتيجي وأن التقارب التركي ـ السوري لا يزعج إسرائيل بل على العكس من ذلك، وأنه حاول إقناع الرئيس التركي عبد الله غل خلال اجتماعه به أن زيارة يقوم بها إلى إسرائيل ستكون كافية لإعادة المياه إلى مجاريها. هي خدعة إسرائيلية قديمة ومعروفة عندما يشد أحد الأطراف الحبل نحوه بقوة على الطرف الآخر أن يتصلب ويتشدد في مواقفه هو الآخر وكأنه يعرض الحبل للانقطاع إيحاء للطرف الثالث أن كلمته مسموعة ويؤخذ بها مهما كان الثمن وهذا ما يحدث اليوم.

تل أبيب غاضبة لأن أنقرة في الأشهر الأخيرة حرمتها أكثر من فرصة سياسية وعسكرية ودبلوماسية.. وقفت ضدها في مناورات الأطلسي وفي ملف غولدستون وسياسات التوطين الجديدة وقالت أكثر من مرة إن حكومة نتنياهو الائتلافية هي حكومة حرب قبل أن تكون حكومة سلم لكن أنقرة غاضبة أيضا لأن تل أبيب عارضت السماح لداوود أوغلو بزيارة غزة عبر حدودها ولم تأخذ بنصائحها في موضوع تبني سياسة فلسطينية جديدة رغم أكثر من تعهد بالتهدئة وتمسكها بإرجاء تسليم صفقة طائرات التجسس «هيرون» إلى تركيا رغم أكثر من موعد يحدد ويلغى في آخر لحظة.

وبن اليعازر قد يكون جاء وفي جعبته الكثير من المشاريع والاقتراحات والخطط الاستراتيجية لفتح صفحة جديدة لا نعرف الكثير عنها بعد لكننا نعرف أنه لا فائدة من رفع سقف المراهنة وإطلاق العنان للمخيلة في مسألة تركيع حكومة نتنياهو تركيا وجرجرتها إلى طاولة السلام الإقليمي وبناء قصور رملية أمام سواحل العلاقات التركية ـ الإسرائيلية فهي ستكون معرضة للسقوط والتبعثر عند أول موجة تصل إليها.

داوود أوغلو الذي التقى الوزير الإسرائيلي من المؤكد أنه ثمن له مشاركته التي جاءت يتيمة في احتفالات السفارة التركية بذكرى إعلان الجمهورية بعدما قررت القيادات السياسية والرسمية الإسرائيلية مقاطعتها احتجاجا على السياسات والمواقف التركية. وهو قدّر له حتما موقفه الذي أطلقه من العاصمة التركية حول ضرورة أن تقود تركيا عملية بناء سلام إقليمي شامل. لكن داوود أوغلو قال وبوضوح للزائر الإسرائيلي إن أنقرة لا يهمها أبدا أن تتدهور علاقاتها بتل أبيب وإن إسرائيل وحدها تتحمل مسؤولية هذا التأزم وأنه رغم كل شيء لا حاجة للعودة إلى بداية جديدة فالعلاقات لم تنقطع أبدا بين البلدين.

أردوغان لم يعلق بعد على موضوع زيارة بن اليعازر ولم يقل رأيه في السيناريو الإسرائيلي المطروح على طريق الحلحلة.. زيارة يقوم بها داوود أوغلو إلى تل أبيب ثم زيارة مماثلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أنقرة ويتوج كل ذلك بزيارة للرئيس التركي غل، وكل ذلك تحت شعار «العائلة الواحدة والبيت الواحد» الذي رفعه الوزير الإسرائيلي في تركيا. فهل يكون لبن اليعازر ما أراد أم أن الورقة الفرنسية التي يلوح بها ساركوزي منذ أيام ستكون فعلا البديل الآخر للوساطة التركية بين تل أبيب ودمشق التي تفقد حياديتها يوما بعد الآخر كما تقول الأصوات المتشددة في إسرائيل؟

*كاتب وأكاديمي تركي