عالم دبي

TT

كتبت كثيرا في السنوات الماضية حول تفسير «العولمة» التي أصبحت تعني في أذهان الناس ارتباط كل شيء في العالم بالدولار والإرادة الأميركية. وكانت حجتي أن أميركا فقدت هذا التأثير الأحادي، وأن العالم الحديث «عولم» كل شيء، من الأوبئة التي يمكن أن ينقلها مسافر، إلى الهزات الاقتصادية. وكنت أستند إلى أحداث واضحة للجميع وليست في حاجة إلى علوم وتحليل، كمثل اهتزاز البورصات يوم هبط السوق المكسيكي، أو كما حدث فيما بعد مع زلزال الأسواق الآسيوية الضعيفة والبعيدة عن الرقابة الحقيقية.

ها هي إمارة صغيرة مثل دبي تؤكد أن العولمة لم تعد حكرا على أحد. فما إن أعلنت عجزها عن تسديد الديون قبل ستة أشهر حتى ذابت عشرات المليارات في أسواق العالم أجمع، من أقدم بورصة في لندن إلى أضخم بورصة في نيويورك. لم تحدث الهزة نفسها أيام أزمة «المناخ» الشهيرة لأنها كانت محلية فقط، ولم تكن معظم دول الخليج قد عرفت البورصة بعد. أما دبي فقد كانت «منجما» للذهب اجتذب العالم أجمع. وذهبت كبرى بنوك الأرض تطلب حصتها من «الألدورادو» الجديد. والغريب أن الدول النفطية مجتمعة لم تعرف من الإقبال الخيالي ما عرفته إمارة لا نفط فيها ولا ثروات طبيعية.

خلال عقد واحد صارت دبي أكبر ورشة عمل في التاريخ بالنسبة إلى حجم الأرض والسكان. ولحق كبار الاقتصاديين بفكرة النجاح من دون أن يضع أحد منهم احتمال الخسارة، كما في أي مشروع تجاري. وعندما كان بعض المشككين يتساءل إلى متى وأي مدى يمكن أن تستمر هذه الانطلاقة السحرية، كان المشككون يتهمون بالشؤم. كانت ثمة قناعة عالمية بأن دبي سوف تحل محل هونغ كونغ التي عادت مع مطلع القرن إلى الصين. وإذ انخفض العقار في الثانية تصاعد في الإمارة. وكمن يفرش بساطا من الأسمنت بسرعة، غطت المباني رمال دبي. ونقل أصحاب المخيلات ملاعب الغولف ومراكز التزلج. ونجحت دبي في أن تكون مركزا إعلاميا فريدا من نوعه. وبرغم صغر حجمها وعدد سكانها صار لديها إحدى أكبر شركات الطيران في العالم وأكبر عدد من الفنادق الفخمة في المنطقة. ولم تعتمد فقط على ما تقدمه للعالم العربي والخليج وإيران بل توسعت في اتجاه الهند وروسيا وبعض أفريقيا. كيف يمكن ضبط كل هذا التوسع؟ عندما تكون الفورة الاقتصادية قائمة، يصعب إكثار الضوابط والتحسب للأيام العاثرة، ولا يريد أحد الإصغاء إلى ذوي الشكوك والتحفظ. ومن غير الدقة أو الإنصاف القول إن أهل دبي وحدهم مضوا في المغامرة، فما أكثر من غامر معهم. وما أكثر الأسواق الخليجية التي تجاوزت المعقول وأفقدت المساهمين أموالهم وأحيانا مدخراتهم.

أحيانا تكون العولمة عولمة النجاح وأحيانا تكون عولمة الإخفاق. وتوقعوا الآن الهبوط التالي. لعله في اليونان.