تضييق الهوة بين الهند وباكستان

TT

تشير الزيارات الثلاث التي شهدتها العاصمة الباكستانية إسلام آباد خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إلى الأزمات التي تمر بها العلاقات الباكستانية الأميركية. فقد فشلت واشنطن في تقديم الاستراتيجية الإقليمية التي وعدت بها ربيع هذا العام، كما أسهم الخلاف مع الحكومة الباكستانية في تأخر الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية بشأن أفغانستان.

ونظرا لكون باكستان حجر زاوية في أي استراتيجية أفغانية تتبناها إدارة أوباما، يأمل الباكستانيون في أن يكون الرئيس الأميركي قد دفع ضيفه الهندي مانموهان سينغ إبان زيارته إلى واشنطن، إلى أن يكون أكثر مرونة تجاه إسلام آباد. لكن الباكستانيين أيضا يجب عليهم أن يقبلوا بتسوية إذا ما كان هناك أمل في حل في أفغانستان وجنوب آسيا.

ستعتمد أي زيادة في عدد القوات الأميركية في أفغانستان على مساعدة الجيش الباكستاني في حماية قوافل الشاحنات التي ستزود الجنود الغربيين الإضافيين في الأراضي الأفغانية بالإمدادات. وسوف تحتاج واشنطن إلى تعاون كبير من الجيش الباكستاني في استهداف مخابئ الإرهابيين على الحدود. وقد حقق الجيش الباكستاني، الذي يشن حربا ضروسا ضد طالبان باكستان على جبهات عدة في إقليم الحدود الشمالي الغربي، بعض النجاحات، حيث تمكن من طرد جماعات طالبان من معاقلها الحصينة في جنوب وزيرستان، لكنه رفض الاعتراف بوجود قيادة طالبان في إقليم بلوشستان وشمال وزيرستان.

والقوات الأميركية لا يمكنها دفع طالبان في جنوب وشرق أفغانستان دون القضاء على الرجال والمواد التي تستطيع طالبان الباكستانية الحصول عليها.

وإذا ما استمرت قوات الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان واستطاعت هزيمة طالبان الأفغانية خلال السنوات المقبلة فمن المتوقع أن يتعاون الجيش الباكستاني مع الغرب.

بيد أن حديث الرئيس أوباما حول خروج مبكر من أفغانستان نزولا على رغبة الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا قد يدفع ذلك بالرئيس حميد كرزاي إلى القبول بالاتفاق الذي توسطت فيه الحكومة الباكستانية بتشكيل حكومة موالية لباكستان تضم بين صفوفها طالبان.

على الرغم من كراهية الجيش الباكستاني المتطرفين الآن فإنه يفرق بين طالبان أفغانستان، الحليفة لباكستان، وطالبان باكستان التي ينظر إليها على أنها تهديد يجب إزالته.

وحقيقة الأمر أن كلتا المجموعتين و«القاعدة» حلفاء وثيقو الصلة، حيث تعترف كلتا المجموعتين بزعامة الملا محمد عمر للجهاد ضد القوات الغربية في أفغانستان. وعلى الرغم من حرص جماعة طالبان أفغانستان على عدم القتال إلى جانب طالبان باكستان في جنوب وزيرستان، فإنهم سيسعدون لوقوع مناطق أكبر من إقليم الحدود الشمالي الغربي تحت سيطرة طالبان باكستان حتى يمكنهم توسعة قواعدهم.

ويصر الجيش الباكستاني على أن أي زيادة أميركية ستوقع فوضى في المنطقة الحدودية. فمنذ وصول 20,000 جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان في مارس (آذار) تقاطر المزيد والمزيد من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والقادمين من وسط آسيا إلى أفغانستان لخوض الحرب ضد الأميركيين، حيث تصاعدت وتيرة هجمات المقاتلين في هلمند التي يتمركز بها 10,000 جندي من مشاة البحرية الأميركية. فيما مناطق الغرب والشمال والتي كانت آمنة في السابق تشهد سيطرة كبيرة لطالبان هناك.

الهدف الرئيس للمؤسسة العسكرية في الاستراتيجية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة هو الحصول على الدعم الأميركي في استئناف المحادثات بين الهند وباكستان، بشأن كشمير وغيرها من النزاعات، التي توقفت بعد الهجوم الإرهابي على مدينة مومباي في العام الماضي، والتفاوض من أجل الحد من نفوذ الهند في كابل، والذي تلقي إسلام آباد عليه باللوم في مجموعة من الكوارث (بعضها تخيلي، والبعض الحقيقي) التي حاقت بالبلاد. وقد تعهدت واشنطن في مارس (آذار) بإشراك جميع الدول المجاورة لأفغانستان، والقوى الإقليمية للمساعدة في إقرار السلام. لكن الهند انتقدت الولايات المتحدة واستراتيجيتها الإقليمية وطالبت باكستان بالقضاء أولا على الجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند من مناطق البنجاب وكراتشي. أما إيران وروسيا والصين فلم توافق هي الأخرى على المبادرة الأميركية. والآن تحاول الهند وباكستان لعب دور الوسيط، فتقول باكستان إنها ستدعم استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية التي لا تشمل الهند، في حين تتحدث الهند عن تحالف إقليمي مع إيران وروسيا يستثني باكستان. وكلا الموقفين ـ بالعودة إلى التسعينيات، عندما غذّت دول الجوار الجانبين المتصارعين في الحرب الأهلية في أفغانستان ـ لا يصلحان كبداية لمساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في إحلال السلام في أفغانستان.

ولتجنب كارثة إقليمية وفوز حركة طالبان بالمزيد من السيطرة على الأرض في أفغانستان، يحتاج أوباما للوفاء بالتزامه بشأن أفغانستان الذي صرح به في مارس (آذار) بإرسال مزيد من القوات ـ حتى تتمكن الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو والحكومة الأفغانية من استعادة زمام المبادرة العسكرية ـ إضافة إلى خبراء مدنيين، ومزيد من الأموال من أجل التنمية. كما يجب أن يجمع كلا من الهند وباكستان سويا ويساعد على إزالة الخلافات بينهما لأن ذلك يمثل استراتيجية إقليمية ملحة لنجاح أي استراتيجية أميركية في المنطقة. وتحتاج الولايات المتحدة إلى إقناع الهند بأن تكون أكثر مرونة تجاه باكستان في الوقت الذي تقنع فيه الباكستانيين بتبني المرونة ذاتها في عملية تتم خطوة بخطوة تعمل على التخلص من الجماعات الإرهابية التي تعمل انطلاقا من أراضيها حتى يتمكن العدوان اللدودان من إعادة بناء قدر من الثقة.

* صحافي باكستاني مؤلف كتاب «طالبان» وكتاب «الانزلاق إلى الفوضى: الولايات المتحدة والكارثة في باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى»

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»