أرملة الكبار

TT

بعد اغتيال جون كينيدي في تشرين الثاني 1963 بفترة قليلة، علمت أرملته جاكلين أن مجلة «لايف» كلفت الصحافي تيودور وايت أن يعد تحقيقا عن القضية، فسارعت تدعوه إلى القيام بزيارة للعائلة، لكي تقدم له ما تستطيع من الصورة التاريخية التي تحرص عليها. قالت المرأة الفولاذية: «كان داخل رأسه جميلا جدا. حاولت أن أطبق فروة الرأس لكي لا يتساقط المزيد من النخاع. كنت أعلم أنه مات. لقد التصقت دماؤه وقطع من شعره على وجهي وثيابي. ومنذ وصلنا إلى المستشفى حاول الجميع إقناعي بتغيير ثيابي. لكنني رفضت. أردت أن يعرف العالم أجمع ماذا فعلوا لجون. عزائي الوحيد أنه مات فورا. كانت ترعبه فكرة المرض أو الإصابة بالشلل مثل والده».

كم من الكتب والمطالعات قرأتم عن اغتيال كينيدي؟ الحقيقة دائما واحدة في مقتل الكبار. دائما الجاني صغير. رجل بلا اسم، وبلا معنى، وبلا أي قيمة في الوجود. من منا يذكر اسم قاتل غاندي أو قاتل إبراهام لنكولن أو قتلة أنديرا وراجيف غاندي؟ ثمة معادلة عجيبة في الاغتيالات التاريخية: القتيل محب للسلام ومعاد للعنف، والقاتل مشرد، لا مكان له في الحياة ولا مكانة في الموت. القتيل يملأ الحاضر ثم التاريخ، والقاتل رصاصة فارغة وسيرة فاشلة منذ صغره. من له شيء في الحياة لا يقدم على القتل. لو كان قاتل إبراهام لنكولن ممثلا مسرحيا ناجحا لما قرر الانتهاء كمجرم. الذين لهم علاقة حقيقية بمعنى الحياة لا يمكن أن يقتلوا أولئك الذين يزيدون في معانيها. إذا كان القاتل فردا كان بلا أي قيمة.

ويبدو، من ناحية أخرى، أنه مهما كان الضحية كبيرا، يظل يجهل من هم المتآمرون عليه. لم ترد، أو لم يهم جاكي كينيدي أن تعرف من هو (أو هم) قاتل زوجها. لكن شقيقه روبرت ذهب إلى زوجة الصحافي طوم برادن، المعروف بعلاقته بالـ«سي آي إيه»: «ظل طوال ساعة يحكي عن جون وينتحب. وكان يعتقد أنه ربما كان لدى زوجي، بسبب علاقته مع الـ(سي آي إيه)، فكرة عمن يمكن أن يكون خلف الجريمة. وكان يشك في بعض قادة المافيا أمثال سام جيانكانا وكارلوس مارتشللو. وقلت له إنني سوف أطرح السؤال على طوم عندما يعود من رحلة إلى كاليفورنيا».

اغتيل قاتل كينيدي ثم مات قاتله في السجن. وازداد غموض الجريمة. ووضعت الدولة الأميركية (لجنة وارن) تحقيقا لم يأخذ بصحته الكثيرون. لكن الشيء الوحيد الذي تحقق لجاكلين كينيدي أنها وضعت زوجها في «إطاره التاريخي الصحيح، فيما غرقت هي في علاقة مع شقيقه، روبرت»، كما يقول كتاب جديد بقلم سي ديفيد هايمان. ويبدو أن الجميع عرف بالعلاقة وقلة تحدثوا عنها.