يوم البث الصدامي

TT

كما ظهرت على نحو مفاجئ وملتبس توقفت عن البثّ بشكل أكثر غموضا.

إنها ما سميّت لأيام قليلة بقناة «العرب» التلفزيونية التي ظهرت في أول أيام عيد الأضحى المصادف للذكرى الثالثة لإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبثت صورا وخطبا وأشعارا لصدام حسين ومشاهد من لحظة إعدامه مترافقة مع أغان وأشعار لصدام نفسه.

رغم ما قيل عن غموض مقرّ بث القناة وهوية مموليها، فإن آلية البث وتقنيات الإرسال تسمح بمعرفة من أين بثت القناة سواء في سورية أم ليبيا، كما تردد، وعبر أي قمر صناعي، لكن ربما ليس هناك رغبة لدى أكثر من جهة في أن يعلن ذلك. من الواضح أن هناك تواطؤا في ما بين ممولين وداعمين ومتعاطفين ارتأوا المغامرة بظهور مثل هذه القناة واستشعار ردود الفعل إزاءها لكن سرعان ما تم إجهاض هذه المحاولة.

لا شك أن الخطأ الكبير الذي وقع عبر إعدام صدام حسين وعلى النحو الذي تم بحيث بدا طقسا ثأريا مذهبيا هو خطأ يجري استثماره منذ ثلاث سنوات، ويبدو أنه استثمار مستمر، خصوصا في منطقة مأزومة طائفيا ومذهبيا كمنطقتنا. وكأن طقس الإعدام الذي حاولت القناة التي ولدت وماتت سريعا أن تُظّهره هو محاولة لمحو حقيقة صدام حسين وتاريخه في مقابل تظهير حقيقة واحدة هي كيف قتل صدام ومن هم قتلته. لكن فات من يحاول استثمار الحادثة أن عملية الإعدام تمت وفقا لإرث صدام نفسه، والتي مورست بحق العراقيين على نحو أكثر بشاعة. طبعا هذا القول لا يبرر ما جرى بأي حال، لكنه قول يستحضر قوة الإرث الذي خلفه الرئيس العراقي السابق..

الأكيد أن في العراق وفي محيطه صداميين كثرا، والذين لا يترددون لحظة في إسباغ صفة البطولة على شخصية مثل صدام. البطولة المعنية هنا هي بطولة انحيازات طائفية وقومية وعصبيات لا تغيب عنها استيهامات لطالما تغذت من المخيلة العربية وإرثها من بطولات السيف والترس. صدام الذي حكم بقبضة من حديد ونار وغرق وأغرق العراق في شعارات «الوحدة العربية» وبطولات مزيفة على صهوة دبابة؛ يتحول اليوم إلى رمزية، بل وإلى عصب يعتمد عليه كثر في أن يحقق مكسبا ما في الانتخابات العراقية المقبلة وفي المواجهات الإقليمية.

ماذا ننتظر بعد تجربة قناة صدام؟ هل نفترض أن الحمية المذهبية والطائفية ستدفع بالبعض إلى إطلاق قناة ما تبث طوال الوقت صور زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية الخميني ومشاهد من لحظات موته والتي بثها التلفزيون الإيراني حينها لحظة بلحظة ويستعيدها في كل ذكرى!

لا شك أن تحول صدام حسين إلى رمزية ما يعبر عن خلل كبير في السياسة وفي معنى المواطنة في عراق ما بعد صدام.

الاستغراق في معاني بث قنوات صدّامية، وربما خمينية لاحقا، يمثل واحدا من ابتذالات السياسة وإخفاقاتها أيضا.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام