الإنجليز نادمون

TT

كان شيئا جميلا أن أسمع من دبلوماسي بريطاني قديم يعترف بذنوب بريطانيا ويشعر بالإثم والندم عما اقترفته من جرائم بحق الشعوب. وجرى ذلك في الحفل الحافل الذي أقامته السفارة العمانية بمناسبة اليوم الوطني لعمان. ولكننا لم نكن نتحدث عن عمان، فهي والحمد لله خارج الصدد فيما كنا نتحدث فيه من حديث مرير، حديث ذي شجون. كنا نتحدث عن العراق. قال: لقد ارتكبنا خطأ كبيرا عندما ترددنا بشأن ثورة العشرين ولم نسحقها ونعتقل كل زعمائها ونستمر في حكم البلاد حتى يكتسب أهلها ما يكفي من النضوج ويرتقوا لمستوى المسؤولية.

قلت: أهلا بك. فأنا كوطني ويهمني مصير الشعب العراقي شتمت بريطانيا باستمرار على سوء فعلها في إعطائنا الاستقلال. فأهلا بك كممثل من ممثلي الإمبريالية. نرحب بك إلى صفوف هذه الحركة النبيلة والآخذة بالانتشار، حركة البعث الديمقراطي الإمبريالي.

لهذه الحركة أنصار كثيرون اليوم. منهم ذلك الجندي الكردي من العراق. ضربته قنبلة في حرب إيران، «قادسية صدام نمرة واحد». يظهر أنه كان له أنساب في النظام، أو تمكن من إعطاء تنكة عسل أو لبن أربيل للآمر فبعثوه للمعالجة في لندن على حساب الدولة. أنزلوه من الطائرة بالنقالة. تمكن أن يرفع رأسه قليلا فرأى العلم البريطاني يرفرف عاليا فوق مطار هيثرو. اجتاحته العواطف وانسابت دمعة من عينه اليمنى، العين الوحيدة التي بقيت شغالة، تأوه وقال وهو ينظر للعلم البريطاني: «آخ ! ولك استعمار ظالم! ليش تروح وتخلينا؟»

كان واحدا من المليون شاب عراقي هلكوا في قادسيات صدام حسين الرعناء. وكانوا في الواقع نتفة من الآخرين الذين ماتوا، وماتوا هباء بدون غرض أو سبب أو نتيجة في كل الحروب الداخلية والخارجية التي خاضها الحكم الوطني. ويتكلمون عن الخمسة أو الستة ثوار الذين أمر الكرنل كوكس بإعدامهم، أو العشرين أو ثلاثين شهيدا ماتوا في محاربة الإنجليز.

وكذا الحال بالنسبة لمعظم الأقاليم التي تعب الاستعمار من إدارتها وإصلاحها فأعطوها الاستقلال وتركوها يقتل بعضها بعضاً. وكله باسم الوطنية واسم الدين. يتحدثون عن ثرواتنا الوطنية التي سرقها الاستعمار. انظروا لبلايين الدولارات التي سرقها المسؤولون الوطنيون وأودعوها في بنوك الاستعمار واشتروا بها فيلات ويخوتا على شواطئ الاستعمار، والبلايين التي بددوها في مشاريع خاسرة وأسلحة عاطلة وأدوية فاسدة.

سمعنا الكثير عمن هتفوا على المشانق، أو المستشفيات أو أمام الرصاص بأعلى صوتهم يحيا الوطن أو يحيا البعث. أنا عندما سيأتي دوري سأشهد وأستغفر ربي عما اقترفته من إيمان بالوطنية ثم ألفظ آخر نفس لي هاتفا: «يحيا الاستعمار!»