أوباما يستعد لدعوة العرب وإسرائيل إلى مؤتمر دولي للسلام

TT

اكتشفت الإدارة الأميركية أنها تصرف كما هائلا من الوقت من أجل تأمين الأموال للسلطة الفلسطينية التي تعاني عجزا ماليا كل شهر، ويبذل الرئيس الأميركي باراك أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ومبعوثه الخاص لعملية السلام السناتور السابق جورج ميتشل جهدا لدفع اليابان وأوروبا و«بعض العرب» لتوفير المبالغ المالية التي تحتاجها السلطة الفلسطينية للاستمرار على الأقل في دفع رواتب الموظفين والمسؤولين فيها كبارا وصغارا. ويساور أوباما شعور بأن الفلسطينيين في حاجة إلى أموال لكن «العرب» يترددون في الدفع والدولة الوحيدة التي تدفع بسرعة هي الإمارات العربية المتحدة.

طوال الأشهر الخمسة الماضية كان أوباما، مع حملته لجمع أموال للسلطة كي لا تسقط، يريد وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. وهو مستاء من موقف بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. لذلك، فإن اقتراح الأخير تجميد الاستيطان في الضفة الغربية (تشعر أميركا بأن الاستيطان أُنجز في القدس)، لم يكن لإرضاء الفلسطينيين بل لتخفيف غضب أوباما.

يقول لي مصدر أميركي عليم الاطلاع إنه بعد عودة أوباما من رحلته إلى السعودية، وعدم التجاوب معه بأن تُقدم المملكة على خطوات مقابل وقف إسرائيل للاستيطان، أحاطت به المدرسة الأميركية التي كانت تقول: إن المبادرة الأميركية لوقف الاستيطان لن تجذب تجاوبا عربيا. وهذه نظرية دنيس روس وأصدقاء إسرائيل في أميركا. ويشير محدثي إلى حفلة في واشنطن أقيمت على شرف ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد دُعي إليها دنيس روس ومارتن إنديك، حيث قالا له «لا يكفي أن توقف إسرائيل الاستيطان، وعلى العرب أن يفعلوا شيئا في المقابل».

عدم تجاوب العرب مع اقتراح أوباما قوى النظرية الداعية إلى استئناف المفاوضات، حيث تُبحث فيها كل المواضيع: الحدود، الاستيطان، القدس، عودة اللاجئين والمياه.

من جهته قرر أوباما عدم المواجهة العلنية مع إسرائيل الآن بالنسبة إلى الاستيطان، لأن بعده ستتوالى المواضيع الأخرى، ثم إنه أخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسية الداخلية في أميركا، لذلك يميل إلى المفاوضات، لأنه أيضا في المفاوضات تكون أميركا حاضرة وجها لوجه، وتاريخيا فإن النفوذ الأميركي يزداد في المفاوضات وليس قبلها، ثم إذا استؤنفت، سيكون من الصعب على نتنياهو استفزاز أوباما بمواصلة بناء المستوطنات.

ويقول لي المصدر الأميركي المطلع «إن أوباما عندما يجتمع مع مستشاريه ينتقد سياسة إسرائيل الاستيطانية». من ناحية أخرى شعر أوباما بأنه «سلّف» الفلسطينيين موقفا في الأمم المتحدة عندما قال إن المستوطنات غير شرعية، هم لم يركزوا على هذا الموقف، عكس إسرائيل التي تمسكت بموقفه عندما قال إن إسرائيل دولة لليهود. وهذا ما دفع مرجع أميركي إلى القول «إن الإسرائيلي قوي عسكريا وذكي دبلوماسيا، بينما الفلسطيني ضعيف ولا خبرة له في المفاوضات».

بالنسبة إلى موقف إسرائيل من المفاوضات، يهمها أولا موقف أوباما من إيران، اطمأنت إلى كونه أثبت لها أنه يحافظ على تفوقها العسكري على جيرانها. وتريد أن يكون هناك تنسيق معها حول موضوع إيران. وبين المخططين للموقف الأميركي تجاه إيران: دنيس روس والمنفذ هو ويليام بيرنز.

أيضا، تقول إسرائيل إنها تريد أن تعرف ما موقف أميركا أثناء المفاوضات، هل تريد الاكتفاء بدور المراقب، أم تنوي تقديم مبادرات. إسرائيل تتخوف من أن تقدم أميركا مشاريع. إضافة إلى ذلك على زمن الرئيس جورج دبليو بوش وقبله مع بيل كلينتون كان التنسيق الأميركي ـ الإسرائيلي تاما، وتريد إسرائيل من إدارة أوباما أن تنسق معها مسبقا قبل المفاوضات مع الفلسطينيين.

أما في ما يتعلق بالقدس في المفاوضات، فقد أبلغت تل أبيب واشنطن، بأنها ستسمح للفلسطينيين بطرح موضوع القدس «لكنكم كأميركيين تعرفون موقفنا مسبقا: لا لتقسيم القدس. وهي ستبقى موحدة تحت سيطرتنا».

وماذا عن الفلسطينيين، يقول محدثي المصدر الأميركي، إن فريق أبو مازن كان مستعدا لقبول وقف الاستيطان لفترة قصيرة. ويضيف أن أوباما يريد حلا، شرط ألا يضيع الفلسطينيون الفرصة. ويقول: إن هناك بعض الأميركيين يميلون إلى ناصر القدوة، ويتمنون على الأقل، لو يعينه محمود عباس وزيرا للخارجية. ثم ينتقد أبو مازن الذي «على سفر دائم».

أما عن سورية، فالتكهنات بأن العلاقة الأميركية ـ السورية لم تتقدم، لأسباب كثيرة أبرزها: أن الرئيس أوباما ومسؤول الأمن القومي جايمس جونز منفتحان تجاه سورية وتؤيدهما وزارة الدفاع لاهتمامها بموضوع العراق. الجانب السوري يدرك الأمر، لهذا هو جاهز للمفاوضات، والأميركيون يعرفون هذا، لكن المتردد هو إسرائيل، والتردد تكتيكي، لكن بعد فترة سيفاوض نتنياهو سورية.

أما سبب تأخر تقدم العلاقة بين أميركا وسورية فيعود إلى اتهام نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي لسورية بأنها وراء التفجيرات الضخمة التي وقعت في العراق، هذا الاتهام أوقف «مفاوضات أمنية» كان المنوي عقدها بين أميركا والعراق وسورية. شعرت أميركا بالإحراج في أن تبحث الشأن الأمني العراقي مع سورية في غياب العراق. نجح المالكي في لعب الدور ضد سورية لتخوفه من أن يساعد أي اتفاق أمني، المعارضة العراقية في سورية. هو يتخوف من أي علاقة محتملة بين الأميركيين والمتمردين العراقيين «الجيدين» (كما تصف أميركا بعض طالبان). وقف الأكراد مع المالكي لأنهم غير مرتاحين للعلاقة التركية ـ السورية.

ثم هناك في واشنطن مدرسة تُسمى «مدرسة الشك» (sceptic school)، ترفض الانفتاح على سورية من دون أن تدفع هذه ثمنا. ويقول مصدر أميركي كان مقربا من إسرائيل، إن هذه المدرسة مكونة من دنيس روس، وجيفري فيلتمان وجايمس ستاينبرغ وكيل وزارة الخارجية، هم يعتبرون أن سورية بعلاقاتها، تلعب دور المعطّل، ويرفضون إعطاء الدور السوري أهمية، لأن ذلك يجعلها تتشدد وتتعالى. ويؤيد هذه النظرية مارتن إنديك الذي كان يقول: كلما شعر السوريون بأنهم مهمون يطالبون بسعر أغلى.

كذلك في مؤتمر جمعية «جي. ستريت» (تجمع ليهود أميركيين يطالبون إسرائيل بقبول حل الدولتين، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين) تحدث جايمس جونز مدير الأمن القومي الأميركي وقال إن القضية الفلسطينية أولوية مهمة لنا. أزعج هذا إسرائيل وأصدقاءها في واشنطن لأنهم لا يريدون الإدارة أن تركز كثيرا على القضية الفلسطينية. وبدأت حملة ضد جونز. وحسب مسؤول أميركي سابق عمل في الشؤون الخارجية: يوجد ثلاثة أشخاص يحاولون أخذ مكان جونز مسؤول الأمن القومي، وهم: ريتشارد هولبروك مبعوث أوباما إلى باكستان وأفغانستان، ودنيس روس وجايمس ستاينبرغ. ويضيف: لكنهم لن ينجحوا لأن جونز ممسك جيدا بكل خيوط الأمن القومي.

مشكلة دنيس روس، أن الإيرانيين لا يحبونه وكذلك السوريون، وأيضا لا يحبه الفلسطينيون في السلطة، لأنه خلال المفاوضات بين كلينتون وعرفات، فتح روس خطا مباشرا على محمد رشيد (صديق محمد دحلان) من دون علم أبو مازن الذي أزعجه الأمر كثيرا.

أميركا تشعر بأنها في حاجة إلى سورية بسبب العراق وإيران و«حزب الله». وهناك من يقول في واشنطن: إن سورية دولة استراتيجية لا يمكن إهمالها. لكن دنيس روس يقول: لا تعطِ، خذ أولا. وللسوريين الموقف نفسه، يرفضون أن يعطوا قبل الأخذ، لكن، يقول محدثي: إن السبب الأساسي لتأخير العلاقة بين أميركا وسورية هو المالكي، لأنه من الأسهل على نتنياهو التفاوض مع سورية، منه مع الفلسطينيين.

إن نتنياهو مضطر إلى التفاوض مع الفلسطينيين لأن أوباما يضغط عليه ولأن المصلحة الأميركية تفرض ذلك، فمن دون حل القضية الفلسطينية سيستغل «أعداء أميركا الأمر في العراق وأفغانستان وأيضا في لبنان»، وتحرك أوباما في عملية السلام مرتبط بإيران فهو يقول لإسرائيل: هل تريدين أن تخطف إيران القضية الفلسطينية.

هناك توقعات بأن الرئيس الأميركي سيعلن قريبا عن تصوره العام للسلام، وقد يدعو إلى مؤتمر دولي يعقد إما في يناير (كانون الثاني) أو فبراير (شباط)، وسيقول: من يريد السلام فليتفضل.

نتنياهو يطالب بالسلام إنما لا يريده، فهل سيلبي الفلسطينيون والعرب الدعوة؟