أزمة المعرفة العربية: قراءة أم كتاب؟

TT

المعرفة أداة أساسية ومهمة لتحقيق وتسريع التنمية البشرية ونهضة وتقدم الأفراد والمجتمعات والدول، وعن واقع المعرفة في عالمنا العربي والفرص والمخاطر التي تواجهنا في عمليات اكتساب وإنتاج وتوظيف المعرفة، صدر في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «تقرير المعرفة العربي» لعام 2009، خلال «المنتدى الاستراتيجي العربي» وبشراكة بين برنامج «الأمم المتحدة الإنمائي» و«مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» في دبي، والتقرير يشير إلى أن هناك أزمة في واقع المعرفة العربية، إذ يفصح التقرير عن أرقام مفزعة ذات دلالات ومعان خطيرة، وبخاصة مع توجهات المعرفة العالمية والاتجاهات والآمال العربية الحالية نحو صياغة مشروعات تنموية نهضوية، فقد جاء في التقرير، أنه بتوزيع مجموع الكتب المنشورة سنوياً على عدد السكان يكون لكل 19150 مواطناً عربياً كتاب واحد فقط، بالمقارنة مع كتاب لكل 491 مواطن في بريطانيا، 713 مواطن في إسبانيا، أي أن نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4 في المائة، و5 في المائة من نصيب المواطن البريطاني والإسباني على التوالي.

قضية المعرفة من القضايا المصيرية في حياة وتقدم الأفراد والدول وبخاصة في المجتمعات المتقدمة حالياً، ولن يكون لعالمنا العربي مكانة مميزة على خريطة المعرفة العالمية، ما لم يكن هناك تعاون وترابط وتنسيق جاد ومتابعة مستمرة بين مشاريع المعرفة العربية الإقليمية، للوصول في النهاية لصياغة مشروع نهضوي عربي واعد وموحد، يحقق الآمال والطموحات العربية المنشودة.

واقع المعرفة العربي، في أزمة حقيقية، ويطرح العديد من التساؤلات الجادة في العديد من المجالات وبخاصة في محور واقع القراءة والكتاب، وهل هناك أزمة في القراءة أم الكتاب أم الاثنين معاً؟

هناك حالياً العديد من المشاريع العربية الواعدة التي تهدف للنهوض بالمعرفة العربية، وبخاصة في مجال تأليف وترجمة الكتب، وقد صدر عنها بالفعل العديد من الكتب المتميزة المؤلفة والمترجمة، ولكن الأسئلة المهمة التي يجب أن يسلط عليها الأضواء: هل وصلت هذه الكتب بالفعل إلى أكبر عدد من القراء، وكم عدد قراء هذه الكتب ومن أي شرائح وفئات المجتمع، وهل تم إعداد حملات وبرامج إعلامية وإعلانية جادة ومتميزة لدعم وعرض ومناقشة هذه الكتب، وبخاصة من خلال ندوات في المكتبات العامة والمدارس والجامعات ليتعرف عليها وعلى مؤلفيها ومترجميها المبدعين أكبر عدد من فئات المجتمع، مع إجراء مسابقات عامة بجوائز في هذه الكتب للتعرف على مدى وعي واستيعاب الجمهور لمحتواها، ولتساهم جميعها وتوظف في تحقيق نهضة الفرد والمجتمع. فالواقع يشير إلى أن هناك عددا كبيرا من الكتب الصادرة ـ المؤلفة والمترجمة ـ ورغم أهميتها، لم يلتفت إليها أحد، وقد يكون مصيرها مخازن الكتب أو أرفف المكتبات، وهل قيمة المكافأة المقدمة لمؤلفي ومترجمي هذه الكتب الجادة مناسبة لقيمة الكتاب والجهد المبذول فيه وتشجع المزيد من المؤلفين والمترجمين لمواصلة جهودهم في هذه المشاريع التنموية، وتساؤلات أخرى حول: هل الفضائيات العربية ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، وبخاصة «الإنترنت» أضعفت وقللت من حركة التأليف والنشر ومعدل القراءة عربياً؟ وما الأسباب الحقيقية لعزوف المواطن العربي عموماً عن القراءة، وما هي موضوعات وتوجهات ومجالات القراءة التي يحتاجها وقد لا يجدها عامة فئات الجمهور العربي، وبخاصة فئات الشباب والأطفال؟

كل هذه الأسئلة الجادة وغيرها سوف تفيد الإجابة عنها في بلوغ وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة لمشاريع المعرفة العربية، كما أنها تدعو بإلحاح شديد إلى إطلاق «قناة فضائية عربية» تختص بمناقشة قضايا وشؤون المعرفة والقراءة والكتاب والنشر والتأليف، للنهوض بواقع المعرفة في العالم العربي.

*كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية