حزب الله.. اللبناني

TT

«لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية.. نريده واحدا موحدا أرضا وشعبا ودولة ومؤسسات.. نريده حرا مستقلا عزيزا كريما منيعا قويا قادرا».. و«مساهما أساسيا في صنع الحاضر والمستقبل كما كان حاضرا دائما في صنع التاريخ».

لو أخرج هذا المقطع من إطاره الزمني (30 نوفمبر/تشرين الثاني 2009)، وعزل عن خلفيته السياسية (مرحلة حكومة الوحدة الوطنية في لبنان)، لظن قارئوه أنه مقطع من خطاب حماسي لأحد منظري الأحزاب اللبنانية التي صنفت «انعزالية» في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

أما أن يكون مصدره الوثيقة السياسية للمؤتمر السابع لحزب الله، فأمر يشرح صدر كل لبناني ـ عقائديا كان في لبنانيته أم واقعيا ـ رغم ما قد يساور البعض من ظنٍ بأن مغالاة حزب الله في تأكيد لبنانيته في هذه المرحلة من مسيرته وتحالفاته الحزبية قد يكون «رد جميل» للتيار العوني الذي شكلت تغطيته المسيحية للحزب، في أعقاب حرب العام 2006، مساهمة لا تثمّن في تقبل شريحة واسعة من المسيحيين لهويته اللبنانية.

إلا أن ذلك لا يقلل، بأي شكل من الأشكال، أن يكون تأكيد حزب الله للبنانيته تطورا جذريا في فكره السياسي لا يجوز إغفال ما يوحيه من استعداد الحزب للانخراط أكثر فأكثر في الصيغة السياسية اللبنانية.

ولكن لبنانية الحزب لا تزال تواجه ازدواجية عقائدية ناجمة عن استحالة الجمع بين الولاء السياسي للوطن، في لبنان، والولاء العقائدي الثابت للولي الفقيه، في إيران، رغم تأكيد الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، بأنه لا يرى «تناقضا» بين انخراط الحزب في الحياة السياسية في لبنان والتزامه ولاية الفقيه. هذه الازدواجية الآيديولوجية قد تفسر قصور الحزب، في تلاوته لفعل الإيمان بلبنان «الوطن»، عن الالتزام بفعل إيمان مماثل بـ«الدولة» التي تجسد هذا الوطن، فرغم تأكيده بأن الدولة التي يتطلع إلى بنائها هي الدولة «القادرة التي تحمي الأرض والشعب والسيادة والاستقلال ويكون لها جيش وطني قوي ومقتدر ومجهز ومؤسسات أمنية فاعلة»، يقوض الحزب المقومات الأساسية لهذه الدولة بإصراره على «محورية» المقاومة في الدفاع عن لبنان وما تستتبعه من «ثنائية» في حمل السلاح.

وفي تأكيده أن دور المقاومة ووظيفتها «ضرورة وطنية دائمة دوام التهديد الإسرائيلي»، وعلى خلفية إيمانه المعلن بأن «لا مجال اليوم لقراءة أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم إلا من منظار استراتيجي عالمي» لا يوحي حزب الله بأن الدولة «القادرة» التي يتطلع إلى بنائها مشروع قريب المنال أو سهل التحقيق.

مع ذلك، ورغم أن الحزب لم يحد عن ثوابته السياسية تجاه إيران (الدولة المحورية في الشرق الأوسط) والولايات المتحدة (دولة الاستكبار والتسلط)، تسجل وثيقته الراهنة ـ بالمقارنة مع وثيقته السابقة عام 1985 ـ نقلة نوعية توحي بأن الحزب، رغم قاعدته الأصولية، منفتح على تيارات التغيير ومستعد للتأقلم مع واقعه اللبناني.

ويعزز هذا الشعور «تطوران» يمكن التماس أحدهما في لغة الحزب التي تحولت من لغة فوقية مفرطة بالآيديولوجية إلى لغة واقعية بلغت حد الإعلان بأن لا أعداء للحزب في لبنان. وثانيهما في إعادة ترتيب ضمنية لأولويات الحزب استتبعت تجاوز دعوته العام 1985 إلى إقامة نظام إسلامي في لبنان إلى مجرد الالتزام بولاية الفقيه.