تراجع في آمال العرب المعلقة على أوباما

TT

مضت قرابة ستة أشهر منذ أن استثار الرئيس الأميركي باراك أوباما العواطف وعزز الآمال في الكثير من الأنحاء داخل العالم العربي، وذلك عبر خطابه الذي أدلى به في القاهرة بعدما رُوِّج له على نطاق واسع. وخرج الكثيرون منه يأملون أن تسعى أميركا من جديد وبطريقة أكثر حيوية لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وكانت هناك آمال لدى آخرين في أن يكون هناك المزيد من الدعم والتعاطف الأميركي مع الإصلاح الليبرالي داخل دول تمنع أنظمة أوتوقراطية راسخة داخلها حرية التعبير وحقوق المرأة، وتحول دون إجراء انتخابات ديمقراطية.

ولكن، انفجرت فقاعة عملية السلام قبل شهرين داخل الأمم المتحدة، عندما انهارت محاولة أوباما الضعيفة لبدء محادثات تسوية نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأصيب العرب بإحباط شديد بعد أن دفعتهم بلاغة أوباما إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تجبر إسرائيل على تقديم تنازلات أحادية غير مسبوقة، مثل إنهاء كامل لجميع أشكال البناء داخل القدس.

ولكن، ليسوا وحدهم ضحايا خيبة الأمل التي تبعت خطاب القاهرة، فالإصلاحيون العرب، الذين ما فتئوا خلال العقد الحالي يسعون إلى إزالة العوائق التي تحول دون إتمام عملية التحديث السياسية والاجتماعية داخل الشرق الأوسط، أخذوا يشعرون أيضا بأن ضرر إدارة أوباما أكثر من نفعها.

وتقول أسيل العوضي، وهي برلمانية كويتية «تتوق جميع الدول العربية إلى التغيير، وظن الكثيرون منا أن أوباما يمثل أداة لإحداث هذا التغيير. ولكن يغيب هذا الأمل في الوقت الحالي».

ويذكر أن أسيل العوضي كانت من بين أربع نساء فزن بمقاعد داخل البرلمان الكويتي خلال العام الحالي، وهي جزء من حركة روجت لها إدارة بوش بصورة علنية، وكانت تحاول أن تقدم لها يد العون من حين لآخر، ولكن تراجعت هذه الجهود خلال الولاية الثانية للرئيس جورج دبليو بوش. وفي المقابل، تتحدث إدارة أوباما في الأغلب وكأنها لا تعترف أساسا بوجود حركة إصلاح عربية. ويبدو أن رأي بوش الذي دائما ما كان يذكره حول التحرر الاجتماعي والسياسي وأنه أفضل ترياق للتطرف الإسلامي يغيب عن تفكير الإدارة الحالية.

ويقول موسى المعايطة، وزير التنمية السياسية الأردني «بدأ المواطنون داخل الأردن يستوعبون أن الولايات المتحدة لن تلعب الدور نفسه الذي لعبته تحت الإدارة القديمة فيما يتعلق بالديمقراطية». وقد زار الوزير المعايطة، ومعه البرلمانية أسيل العوضي، واشنطن أخيرا لحضور مؤتمر ترعاه المنحة الوطنية للديمقراطية. ويضيف «يعتقد المواطنون أن الولايات المتحدة لديها الكثير من الأولويات، وأنها تفضل استقرار داخل هذه البلاد على تحقيق الديمقراطية».

وبالنسبة للإصلاحيين، فقد كانت هناك إشارة كبيرة على ذلك خلال الشهر الجاري في خطاب أدلت به وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون في مراكش بالمغرب. وكانت كلينتون تحضر اجتماعا لمنتدى المستقبل، وهو كيان أسسته إدارة بوش في ذروة حملتها من أجل الإصلاح. وكانت الفكرة تدعو إلى دعم إقامة حوار بين الدول الغربية والعربية بخصوص الإصلاح السياسي والاجتماعي يشبه «عملية هلسنكي» بين الغرب والكتلة السوفياتية خلال السبعينيات من القرن الماضي. وبدأت كلينتون خطابها بالإشارة إلى دعوة أوباما في القاهرة «لبداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في مختلف أنحاء العالم». وقالت بعد ذلك إنه بعد التشاور مع «مجموعات محلية» «ركزت الإدارة على ثلاثة مجالات واسعة نعتقد أن الدعم الأميركي في إطارها سوف يحدث اختلافا». وتبين أن هذه المجالات هي «روح المبادرة» و«تطوير العلوم والتقنية» والتعليم. وأضافت كلينتون، وكأنها تشير إلى أشياء غير ذات قيمة، أن «تمكين المرأة.. أولوية ذات صلة» وأن «الولايات المتحدة ملتزمة بتحقيق سلام شامل داخل الشرق الأوسط.» ولم تظهر كلمة الديمقراطية في أي مكان داخل الخطاب، ولم تكن هناك أي إشارة البتة إلى العرب الذين يقاتلون من أجل إصدار صحف مستقلة أو أحزاب سياسية أو منظمات حقوقية.

وكان سعد الدين إبراهيم، وهو مصري من أبرز الإصلاحيين العرب، ضمن مجموعة اجتمعت مع كلينتون عقب الخطاب. وقال لي إنه حاول أن يلفت انتباهها إلى أن «العامين القادمين مهمان» في عملية تحديد الوجهة السياسية داخل منطقة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أن مصر تقترب من فترة انتقالية مهمة. ومن المخطط عقد انتخابات برلمانية خلال عشرة أشهر، وهذه النتائج سوف تحدد هل ستكون الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 2011 ديمقراطية على الحقيقة أم لا. وإذا تقاعد الرئيس المصري حسني مبارك، فستكون هناك انتخابات تنافسية عقبه يمكن أن تضع ابنه جمال ضد دبلوماسيين من الوزن الثقيل، مثل وزير الخارجية السابق عمرو موسى ومحمد البرادعي، رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية المنتهية ولايته، ومعهما أيمن نور، الذي سجن لثلاثة أعوام بعد ترشحه ضد مبارك في عام 2005.

وقال إبراهيم إن كلينتون ردت بأن ترويج الديمقراطية دائما ما كان محور تركيز الدبلوماسية الأميركية، وأن إدارة أوباما لن تتخلى عن ذلك «ولكن لديها الكثير من الأشياء الأخرى في جعبتها». وبالنسبة لليبراليين العرب فإن المعنى واضح رغم الآلام المتضمنة: فبغض النظر عما قاله الرئيس في القاهرة، فإن نظرة أوباما للشرق الأوسط لا تتضمن «بداية جديدة» داخل النظام السياسي القديم.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»