السعوديون وإدارة الحج

TT

ثمة سببان رئيسان لكتابة هذا المقال:-

الأول:- القلق الذي لازم العالم قبل موسم حج هذا العام 1430هـ من تفشي مرض AH1N1))، وما صاحب ذلك من قلق عالمي، وتوجس لدى المسلمين أنفسهم، من نتائج كارثية جراء ذلك أثناء موسم الحج، خاصة أن مكة المكرمة هي المكان الوحيد في العالم الذي يفد إليه الناس من كل ركن من أركان المعمورة؛ الفقير منها والغني، والموبوء منها والسليم، وما يصاحب ذلك من كثافة بشرية وبيئة خصبة لانتقال الفيروس.

الثاني:- توقيت بدء الاعتداء الحوثي على الحدود السعودية قبل موسم الحج، ومحاولة إعطاء هذا الاعتداء بعداً طائفياً سياسياً يقصد منه التشويش على موسم الحج، وإيجاد مبررات سياسية لمن يدعم هؤلاء الحوثيين لاستغلال موسم حج هذا العام (بعد فشل شعاراتهم السياسية التي رفعوها في الأعوام الماضية) لبث هذه الروح الطائفية السياسية بين المسلمين، خاصة أن محاولات أولئك القوم التي جاءت من أعلى قمة الهرم السياسي الإيراني، وردت على لسان علي خامنئي (المرشد الديني للثورة الإيرانية)، ومن (رئيس الجمهورية) أحمدي نجاد.

القضية الرئيسة التي لابد من لفت النظر إليها ووضعها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، هي: أنه وفي مثل هذه الحالات من الحشود البشرية الهائلة، مع اختلاف مشاربها المذهبية والطائفية، واختلاف بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ينبغي أن لا يكون التركيز الرئيس من قبل العالم أجمع، والمسلمين على وجه الخصوص، متمحوراً فقط على القدرة على إدارة هذه الجموع في تحركاتها، ولا على توفير البنية التحتية العملاقة، والخدمات الصحية المتطورة التي وفرها السعوديون لراحة الحجيج بدون كلل أو منة.

بل لابد من التركيز أكثر على الجهد الأهم الذي بذل، وهو: القدرة على الإدارة السياسية أثناء وقبل هذا التجمع الإسلامي الكبير وكسب قلوب وعقول الحجيج وشعوب العالم الإسلامي، وتحقيق اللحمة الإسلامية في أيام الحج، والمحافظة على ديمومة هذه اللحمة أثناء الحج وبعده.

وهنا تتجلى قدرة الإدارة السياسية للحج من قبل هذه الدولة (المملكة العربية السعودية) بعيداً عن المزايدات والشعارات السياسية، والتي تنطلق من أهداف، غرضها غير المعلن، هو: ترسيخ الخلافات بين المسلمين، وإعطاؤها بعداً طائفياً؛ تحقيقاً لمآرب سياسية أبعد ما تكون عن الإسلام وتعاليمه السمحة.

إن جدية الموقف السعودي تجاه عدم السماح باستغلال الحج لأهداف سياسية ليست وليدة اليوم، بل هذا، هو: نهج سارت عليه هذه الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، وهو النهج الإسلامي الصحيح الموافق للكتاب والسنة.

إن حكمة القيادة السعودية في إدارة الحج والأماكن المقدسة لأمر مقدر من العالم الإسلامي والعالم أجمع، وهذا ما يؤكد حسن الإدارة السياسية للأماكن المقدسة، واستشعار تلك القيادة، للدور القيادي والريادي الذي يتشرفون بالقيام به تجاه الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وبكافة طوائفهم ومذاهبهم، وتتجلى هذه الحكمة السياسية أيضاً، في القدرة على احتواء أخطاء وهفوات البعض لصالح المصالح العليا للمسلمين، وهذا ما أسس له الملك عبد العزيز، وسارت عليه المدرسة السياسة العقلانية السعودية، منذ تأسيس هذه الدولة المباركة وإلى وقتنا الحاضر، وكما تجلت الحكمة الإلهية في جعل إدارة الأماكن المقدسة ورعاية شؤون الحجيج تحت لواء هذه الدولة (الدولة السعودية)، فقد تجلت أيضاً في حفظ حجاج بيت الله الحرام لهذا العام من وباء AH1 N1)).

لقد كان حج هذا العام 1430هـ حجاً ناجحاً بكل المقاييس، بالرغم من تلك المنغصات التي لاحت في الأفق من أوبئة صحية وأوبئة سياسية. وهذا النجاح ليس فقط نجاحا للسعوديين وحدهم، بل هو نجاح للإسلام كدين لكل الأعراق والشعوب يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، دين بناء وتعمير، لا دين هدم وتدمير، دين نماء وتنوير لا دين تثوير وتفجير، كما يريد له البعض أن يكون.