المقاول يتدرب!

TT

في مدارس تعليم القيادة يكتبون على العربات عبارة «السائق يتعلم»، ولو أردنا أن نقوم بعمل مماثل يفترض أن نخط على الكثير من منشآتنا عبارة «المقاول يتدرب»، فليس ثمة وكالة بلا بواب أكثر من قطاع المقاولات في بلادنا، وليس ثمة ساحة اختلط فيها الخبراء والأدعياء أكثر من هذه الساحة، فالعمل في هذا المجال في الزمن العشوائي مهنة من لا مهنة له، حتى إنني بعد غياب بضع سنوات للدراسة في الخارج عدت لأجد مكاتب المقاولات ـ خاصة المعمارية منها ـ تنافس في كثرتها محلات «البروست»، والمشاغل النسائية، ومتاجر «كل شيء بريال»، إذ وجد العاطلون في هذا النشاط المهني كنوزهم الموعودة، فاستقدموا جحافل العمالة غير المدربة، وسمحوا لها أن تتدرب على رؤوسنا، كما يتدرب الحلاقون الجدد على رؤوس اليتامى، وغدت البلاد ساحة تعلم لآلاف العمالة الخام التي وفدت من كوريا والفلبين والهند وباكستان وبنغلاديش وغيرها من دول العالم، ويقال إن هذه العمالة ـ التي تعلمت على رؤوسنا ـ غدت مطلوبة عالميا بأجور أكبر لضمان أنها تجاوزت مرحلة التجريب.

ومن نتائج الهجمة على هذا القطاع ما نشهده اليوم من انهيارات الطرق، وانحناءات الجسور، وغرق الأنفاق، فالشيخوخة المبكرة قدر منشآتنا العامة ومبانينا الخاصة، حتى أن بريدي الإلكتروني حمل صورا لمنشأة حديثة جدا، وهي غارقة في سيل الأربعاء، وكأنها بلغت أرذل العمر.

وليس سرا أن بعض أصحاب المؤسسات التي تعمل في قطاع المقاولات لا يعرفون ـ بحكم عدم التخصص ـ الكثير عن واقع أنشطة مؤسساتهم، فهي مجرد واجهات لعمالة وافدة يمكن أن تطير سريعا بأرزاقها إذا ما استشعرت قدوم أية محاسبة على أخطائها، وفي مثل هذه الأجواء تنشأ ظاهرة المقاولة من الباطن من الأكبر إلى الأصغر فالأصغر.

في زمن الطفرة يذكر الناس نبت المباني الشيطانية التي كانت تقام في بضعة شهور، وتمتلك واجهات برّاقة، ومظاهر خلابة، ليكتشف المشترون بعد أقل من عام وجوها قبيحة تطل من خلف الطلاء الجميل، ولم يعد بمقدورهم أن يفعلوا شيئا، عملا بالحكمة الشعبية المتداولة: «إذا وقعت يا فصيح لا تصيح».

وبطبيعة الحال، هذا لا ينفي أن قطاع المقاولات يضم أيضا أناسا أثرياء بمخافة الله، ويقظة الضمير، ونظافة اليد، وهؤلاء هم أنفسهم ضحايا الدخلاء والأدعياء في هذا المجال الحيوي والخطير.

كفانا الله وإياكم ـ في مواسم المطر ـ شرور الأسقف المثقوبة، والحفر المنصوبة، وغدر الطرقات، ومصايد الأنفاق.

[email protected]