أوقفوا المؤامرة ضد «أشرف»

TT

بصفتي رئيس وفد من المجموعة البرلمانية أصدقاء إيران الحرة في البرلمان الأوروبي, زرت مخيم «أشرف» للاجئين الذي يقع شمال شرقي العراق، حيث يقيم فيه 3400 من أعضاء منظمة مجاهدين خلق الإيرانية عام 2008.

إنها حركة مسلمة ديمقراطية ومناهضة للتطرف أسست في العقد الأخير من حكم الشاه، ومنذ ذلك الحين قادت نضالا شرسا ضد الشمولية التي ظلمت إيران خلال تاريخها المضطرب لمدة نصف القرن العشرين، الأولى دكتاتورية محمد رضا بهلوي ثم نظام آيات الله الديني الشرس، والأخير هو أكثر الأنظمة السياسية قسوة في تاريخ إيران الحديث.

واليوم، «مجاهدين خلق» تشكل جزءا كبيرا من المكون متعددة الأطراف باسم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي ترأسه السيدة مريم رجوي ذات الشخصية الكاريزمية، وهي الحركة التي تحظى بدعم متزايد في أوروبا والولايات المتحدة. إنه يمكن أن ينطوي دون شك على أفضل أمل للملايين من أبناء البلد الذين يعانون من الدكتاتورية المتطرفة التي تمارس القمع والتعذيب على نطاق واسع، وتقوم بنشر الأسلحة النووية ودعم الإرهاب الدولي. وبفضل تعاوني ومجموعة كبيرة من زملائي من مختلف الاتجاهات العقائدية في البرلمان الأوروبي مع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ أن وصلت إلى بروكسل عام 1999، تكون لدي أغنى التجارب والعواطف في حياتي السياسية.

وفي هذا السياق كان لزيارتنا لمدينة أشرف مغزى خاص للغاية، حيث اجتمعنا مع هؤلاء الرجال والنساء الشجعان الذين بنوا مدينة تشمل المناطق السكنية ومراكز التدريب والمستشفيات والمتاحف والورشات الميكانيكية والكهربائية، والمعالم والمتنزهات والحدائق، ربما هو المكان الوحيد الذي زرعت فيه الأشجار في آلاف الكيلومترات المربعة في صحراء قاحلة.

وفي أثناء محادثاتي مع سكان «أشرف»، كنت ألمس في كلامهم صدقا وإيمانا كبيرا بالغد الأفضل والأكثر إشراقا في إيران، كلهم يؤكدون على أهمية التغيير في بلدهم وضرورة إزاحة وإقصاء الملالي عن سدة الحكم، لكن من دون تدخل خارجي وإنما بأياد إيرانية بحتة. وكانوا يؤكدون لي أن غالبية الشعب الإيراني ترفض هذا النظام القمعي، وأنه لو تسنت لهم الفرصة السانحة فسوف تزلزل الأرض تحت أقدام النظام، يومها وعلى الرغم من إيماني وقناعتي الكبيرة بتأكيداتهم تلك، لكنني كنت أجد صعوبة في حدوث أمر كهذا، ولا سيما بالاستناد إلى المعطيات الموجودة على أرض الواقع.

لكن وبعد انتخابات الرئاسة في إيران وما رافقتها من أحداث وتطورات استثنائية خرجت فيها شرائح واسعة جدا من الشعب الإيراني إلى الشوارع والساحات لتعرب، لا عن رفضها لعملية انتخاب الرئيس الإيراني نفسه، وإنما لمجمل النظام السياسي والولي الفقيه بعينه، يومها أدركت أن مجاهدي ومجاهدات «أشرف» نوعيات متميزة لهم بُعد نظر ثاقب ليس بالإمكان الاستهانة به أبدا، وحينها علمت، بل تيقنت، لماذا يصر النظام الإيراني على ملاحقة ومطاردة هؤلاء المجاهدين في كل مكان، ولماذا يجعلهم في أولويات حساباته عندما يجلس على طاولة المفاوضات مع الآخرين. شاهد العالم برمته فشل محاولة الحكومة العراقية ضد مدينة أشرف وإخفاق عملية اقتحامها غير القانوني، فإن الملالي في طهران قد تملكهم الذعر الشديد من ذلك لأن مجرد بقاء «أشرف» يعني فيما يعني بقاء الأمل والتفاؤل بالتغيير في إيران.

«أشرف» باتت رمزا تمنح العزم والإيمان لعموم الشعب الإيراني، وإن بقاء هذه المدينة الشجاعة والمبدئية يخدم السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، كما أن التأثير سلبيا عليها سيؤثر بنفس الحجم والقوة على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

وكما كان لنا شرف قيادة الحملة في الاتحاد الأوروبي برفع اسم منظمة مجاهدين خلق من قائمة الإرهاب، فإننا نتطلع قدما لكي نتشرف بقيادة حملة عالمية كبيرة أخرى من أجل حماية مدينة أشرف وعدم الإضرار بها بأي وجه من الوجوه، ولا سيما ونحن نراقب عن كثب حملة محمومة جديدة للنظام الإيراني يسعى من خلاله لنقل سكان مدينة أشرف قسرا، وذلك ضد رغباتهم وإرادتهم الحرة إلى منطقة صحراوية قرب الحدود العراقية السعودية، وهذا الأمر غير قانوني ومخالف بالمرة للمعايير الدولية الخاصة بالتعاطي مع الجوانب الإنسانية، وإن حقوقيين دوليين كبارا أمثال شريف بسيوني والبروفسور اريك ديفيد قد أكدا على الجوانب غير القانونية لهذا الإجراء، خصوصا أنه يأتي تلبية وإذعانا لرغبات ومطالب النظام الإيراني، حيث يبدو أن هنالك غايات وأهدافا محددة لها علاقة بإقبال العراق على انتخابات جديدة، ويسعى في ضوء ذلك لإجبار السيد نوري المالكي للقيام بإجراء كهذا.

وإنني أجد من المناسب جدا مناشدة الدول العربية بشكل خاص لكي تقوم بأدوار مناسبة تحول دون تنفيذ هذا المخطط المشبوه والمنافي للمعايير والقيم الإنسانية، مثلما أنني أود لفت نظر السيد نوري المالكي إلى أن رضوخه للضغوطات الإيرانية وتنفيذه لعملية نقل سكان «أشرف» قسرا فإنه لن يصل أبدا إلى الأهداف والغايات التي يبتغيها، ولا سيما أن شعب العراق قد أصبح واعيا ويدرك بحصافته أن الإذعان لمطلب كهذا ليس وراءه غير جلب السمعة السيئة والحط من قدر وشأن العراق في المحافل الدولية. إن مضيّ ستة أعوام على سقوط النظام العراقي السابق قد أثبت للعالم كله بشكل عام وللعراقيين بشكل خاص أن المجاهدين الموجودين في «أشرف» لم يقدموا على أية خطوة تتعارض ومصالح وأمن واستقرار العراق، وأن صفحتهم من هذه الناحية ناصعة تماما. وإننا في الوقت الذي نوهنا وأكدنا مرارا وتكرارا بأن أي مساس بمدينة أشرف، ولا سيما نقلها أو أي حالة مشابهة أخرى، يتعارض تماما مع القوانين والمقررات والضوابط الدولية ذات العلاقة، والتي تدركها الحكومة العراقية جيدا قبل غيرها، وأن أي إخلال من جانب الحكومة العراقية بهذا الصدد من شأنه أن يجعله في مواجهة صريحة مع القانون الدولي، خصوصا أن أصدقاء وأنصار مجاهدي «أشرف» والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لن يسكتوا عن مخطط مشبوه ومدان ومخالف للقوانين الدولية كهذا المخطط، ولن يكون أبدا بإمكاننا السكوت على أي إجراء تعسفي يهدف إلى التأثير السلبي على المجاهدين في مدينة أشرف.

وعليه فإننا نطالب الحكومة العراقية بأن تتخذ موقفا حازما من التدخلات والتأثيرات المغرضة من جانب النظام الإيراني فيما يتعلق بمدينة أشرف وسكانها. وإن الأَولى والأجدر بالحكومة العراقية أن لا تضع نفسها في مواقف سلبية تؤثر بشكل مفرط على سمعتها ومكانتها الدولية التي هي أحوج ما تكون إليها، وإننا نرى استمرار السعي المشبوه وغير القانوني ضد مدينة أشرف بمثابة مؤامرة بكل ما في الكلمة من معنى، وإننا نناشد الحكومة العراقية أن لا تكون أبدا طرفا في مؤامرة غير إنسانية كهذه، وأن تصبح عوضا عن ذلك طرفا يساهم في إيقاف المؤامرة ضدها.

لقد أصدر البرلمان الأوروبي قرارا تاريخيا بشأن «أشرف» في 24 أبريل (نيسان) 2009، وإذا كان العراق يريد أن يحترم من قبل أوروبا، فعليه أن يطبق القرار تطبيقا كاملا.

*نائب رئيس البرلمان الأوروبي.