سرعة وبطء وعجلة و«ركادة»

TT

في هذا العصر أصبحت السرعة شيئا جيدا وحميدا أكثر من كونها صفة سلبية، فهو يسمى «عصر السرعة»، وحال ذكر كلمة السرعة يتبادر إلى الذهن سرعة الكمبيوتر وسرعة الإنترنت وسرعة الاتصال الهاتفي، وسرعة التقاط الهاتف الجوال لإشارة الإرسال، وسرعة جهاز الاستقبال التلفزيوني للقنوات الفضائية، وسرعة الطائرة والقطار والسيارة وكافة وسائل المواصلات الحديثة، ووسائل الاتصالات التقنية.

وفي القرآن الكريم ارتبطت السرعة بالعلم بقوله تعالى «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك». وقد أجمع غالبية المفسرين على أن المقصود بالطرف هنا هو رمشة العين. وكانت السرعة قبل اختراع المحرك النفاث تقاس بسرعة الخيل أو الطير، فيقال: «فلان أسرع من الطير». والحمام الزاجل كان من الطيور المستخدمة في الماضي لسرعة نقل الرسائل. وقد غنت نجاة الصغيرة: «على طرف جناحك يا حمام، وصّل لي مكتوبي».

كما تقاس السرعة بالريح، فيقول أهل مصر تلبية لاستجابتهم لطلب الضيف كناية عن الكرم: «حاضر يا أفندم، هوا»، أي إنني سآتيك بطلبك بسرعة الريح.

وبين السرعة والعجلة شعرة، ومدلولات كلمة العجلة تختلف عن مدلولات السرعة، ففي العجلة الندامة، والعجلة قادت إلى الأسف والحسرة، وتسمى العجلة «لقافة» في لهجة أهل الخليج، فيقال: «فلان ملقوف»، أو ينهون عن العجلة فيقولون: «لا تصير ملقوف».

وعلى عكس السرعة يكون البطء، ومثلما أن ما بين السرعة والعجلة شعرة، فإن ما بين البطء والتأني شعرة أيضا، وقد يكون البطء محمودا وعندها يسمى «تأني»، بينما إن كان مضيعة للوقت والفرص في الحياة فيقال عنه «كسل». ويسمي أهل الخليج التأني «ركادة»، وهي كلمة عربية أتى منها الماء الراكد، ويقال «فلان راكد»، وهنا تأخذ الكلمة مدلول الحلم والتعقل والتأني.

تنسحب معاني السرعة والبطء والعجلة والتأني والركادة على مشاهد سياسية مختلفة. كانت هناك عجلة غير محمودة في صياغة الدستور العراقي الحالي من قبل الحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر، وما المأزق الانتخابي الحالي في العراق سوى نتيجة لتلك العجلة المتعجّلة.

من أفرط بالتفاؤل بوصول باراك حسين أوباما رئيسا بالبيت الأبيض، مارس تعجلا مبكرا في الحكم على قدرة الرجل بوقف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فها هو يمتدح «البطء» الذي «وعد» به رئيس الحكومة الإسرائيلية ـ بنيامين نتنياهو، بدلا من أن يضغط عليه لتنفيذ وقف بنائها كليا ـ ناهيك عن قدرته على إزالتها.

ومن سارع إلى إطلاق التصريحات من طهران حول موسم الحج، مارس تعجلا غير مبرر في الحكم على التنظيم الرائع لموسم الحج هذا العام، والذي أصبح مشهدا متكررا خاليا من الحوادث المأساوية التي أصبحت جزءا من الماضي بلا رجعة.

ثمة هجوم إعلامي محموم على البنوك الغربية بسبب ثقتها باقتصاد دبي بعد أن أعلنت حكومة دبي بأنها ستؤجل دفع التزاماتها المالية لتلك البنوك ستة أشهر، وفي اليوم التالي أعلن أكبر بنك غربي – وهو بنك «إتش إس بي سي» ـ بأنه لا يزال على استعداد لتقديم التسهيلات المالية لدبي لثقته باقتصادها وقدرته على التعافي مع زوال الأزمة العالمية. فهل تعجّل المهاجمون؟ أم أنهم بطيئون في قراءة المستقبل المصرفي في بلادهم؟

منتقدو الناخبين السويسريين يرون أنهم تعجلوا بتصويتهم على منع بناء المنارات بالمساجد، بينما يرى مؤيدو ذلك القرار بأنهم سارعوا إلى منع انتشار «التطرف» في بلادهم قبل أن يغزوهم. التصويت سيتم تحديه في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لأن فيه تقويضا لمبدأ حرية الأديان.

في الحياة، مطلوب أن نوازن بين السرعة والتأني، ونتجنب البطء والعجلة..