هذا الأمر لن يلقى نهاية جيدة

TT

سأل مسافرٌ قروياً كيف السبيل إلى الوصول إلى قرية معينة، فأجابه: «لو كنت مكانك، لم أكن لأبدأ من هنا». إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سعى لتولي الرئاسة، يستحق مشاعر التعاطف لاضطراره للبدء من نقطة يوجد لأميركا عندها وجود عسكري في أفغانستان. لكن بعد مرور 11 شهرا عمد خلالها إلى الحط من قدر الرئيس الـ43 للولايات المتحدة، يتصرف الرئيس الـ44 وكأنه أول رئيس للبلاد يترك له سلفه وراءه عالم يعج بالمشكلات. واللافت للانتباه كذلك أن ثاني سياسة يقرها أوباما تجاه أفغانستان خلال فترة رئاسته تشبه إلى حد بعيد نهج سلفه في العراق، والتي قامت على فكرة أنه مع تنامي دور قوات الأمن العراقية، يتقلص دور القوات الأميركية.

بعد تعهده بـ«إنجاز المهمة»، كشف أوباما، عن اعتقاده بأن المهمة القائمة أمامه في أفغانستان تتمثل في الخروج من هناك، وهي سياسة تفتقر إلى الجدية. ومن المفترض أن قرار زيادة أعداد القوات الذي اتخذه أوباما سيوفر بعض الوقت حتى تستعد القوات الأفغانية وتصل إلى وضع مناسب. لكن من المتوقع ألا تساعد هذه الزيادة في شراء كثير من الوقت، ذلك أنه رغم أن الحرب لا تزال في شهرها الـ98، فإن أوباما ينوي رفع لواء «المهمة أنجزت» في غضون 19 شهرا من الآن ـ عندما تحقق قوات الأمن الأفغانية الاكتفاء الذاتي، حسبما هو مفترض حاليا. لكن يجب أن يعي أوباما أن ذلك لن يحدث على أرض الواقع.

في إطار سلسلة من اللقاءات التي أجريت معها في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، قدمت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، وصفا مغايرا إلى حد ما لطبيعة الهدف المرجو في أفغانستان، حيث أشارت إلى أن واشنطن ترمي «لإنزال الهزيمة بـ«القاعدة» وحلفائها المتطرفين» نظرا لأن «القاعدة» والمتطرفين الآخرين يشكلون جزءاً من تحالف إرهابي، مع استمرار عمل «القاعدة» كمصدر للإلهام والتمويل والتدريب والعتاد والتوجيه لكثير مما يدور». وأضافت: «نود القيام بكل ما في وسعنا لتعطيل وتفكيك وهزيمة (القاعدة)». وقالت: «نود الانتقام ممن هاجمونا». وقالت أيضا: «نود الانتقام من (القاعدة)». وشددت على «أننا في أفغانستان لأنه ليس بمقدورنا السماح بعودة ظهور منصة هجوم يستغلها الإرهابيون».

بيد أن مقاتلي «القاعدة» في أفغانستان لا تصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف، أو حتى الآلاف، أو ربما حتى المئات. ورغم أن «من هاجمونا» هم «القاعدة»، فإن التهديد الذي يبرر التصعيد العسكري الذي تتخذه واشنطن اليوم، حسبما ذكرت كلينتون، يتمثل في «تحالف إرهابي» لا تعدو «القاعدة» كونها جزءا مهما منه. لكن هل تشكل أفغانستان عنصرا محوريا بهذا التحالف؟

لقد شن جورج بوش حربا وقائية في العراق تحسبا لأسلحة دمار شامل (لا وجود لها). والآن، يشن أوباما حربا وقائية في أفغانستان للحيلولة دون تحولها مجددا إلى «منصة هجوم يستغلها الإرهابيون»، الأمر الذي قد تتحول إليه الصومال أو اليمن أو أي دولة أخرى ذات سيادة وتكاد تعاني من فراغ كامل في السلطة. من أجل منع تحقق سيناريو «المنصة الإرهابية»، يتعين على القوات الأميركية المشاركة في أفغانستان لعقود قبل أن تتمكن حكومتها بالاضطلاع بهذا الدور بنفسها.

أعلنت الإدارة (على لسان المتحدث الرسمي باسمها، روبرت غيبس) أن القوات الأميركية لن تشارك هناك «لثماني أو تسع سنوات أخرى». نما إلى مسامع طالبان أصوات أبواق الجيش الأميركي تعلن الانسحاب الذي من المقرر أن يبدأ في غضون 19 شهرا. كما نمت هذه الأصوات أيضا إلى الأفغان الذين بات يتحتم عليهم الآن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيراهنون بحياتهم على الوقوف إلى صف الأميركيين الذين سيبدأون في حزم أمتعتهم استعدادا للرحيل في يوليو (تموز) 2011، أم على اتخاذ صف «طالبان»، التي لن تضطر إلى العودة إلى الديار، لأنها بالفعل في ديارها.

الملاحظ أن الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي ممن رأوا أن توجيه 787 مليار دولار لجهود التحفيز الاقتصادي كان مبلغا ضئيلا للغاية، يجفلون في الوقت ذاته من تحمل تكاليف زيادة أعداد القوات في أفغانستان لعام آخر والتي تبلغ 30 مليار دولار. بالنظر إلى أن الإعانات المالية التي جرى توجيهها لإنقاذ مؤسستي «جنرال موتورز» و«جي إم إيه سي» (63 مليار دولار) تزيد بمقدار خمسة أضعاف عن إجمالي الناتج المحلي الأفغاني (12 مليار دولار)، يبدو أن الديمقراطيين انتقائيين في مخاوفهم حول العجوزات في الميزانية. بطبيعة الحال، يتركز قلقهم الحقيقي على كيفية الفكاك من إقرارهم لهذه الحرب «الضرورية» في أفغانستان، الذي لم يعدُ كونه إقرارا تكتيكيا يرمي للحط من قدر «الحرب الاختيارية» في العراق.

الآن، لن يساند حزب الرئيس سياسته الجديدة، ولن تتحمل ميزانيته تكاليفها، وستتعرض قواتنا العسكرية التي تعاني بالفعل من الامتداد على مساحات مفرطة ومن الإنهاك لمزيد من الضغوط الشديدة لتنفيذ هذه السياسة، ولن يتمكن الصبر الأميركي قط من تلبية الطلب الأفغاني اللامتناهي عليه. بإيجاز، هذا الأمر لن يلقى نهاية طيبة.

من الممكن تقديم حجة لصالح تعزيز القوات على نحو جاد، بمعنى توفير أعداد أكبر من الجنود يشاركون لفترات أطول، لكن حجة أفضل يمكن طرحها لصالح لتقليص استثمار الموارد والمكانة الأميركية بدرجة بالغة في هذه الدولة المهجورة. أما أوباما، فعجز عن تقديم حجة مقنعة لتعزيزه المتردد والمحدود للغاية للقوات.

من قبل، قال جورج أوريل إن السبيل الأسرع لإنهاء حرب خسارتها. إلا أن استراتيجية أوباما المترددة وباهتة المعالم تمهد الطريق أمام خسارة محتملة على مدى طويل.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»