سيول الأربعاء.. بين «حجون» مكة و«مظلوم» جدة!

TT

جل السيول التاريخية الكبرى التي وقعت في منطقة مكة صادف حدوثها يوم الأربعاء، وذاكرة السكان تحتفظ بذكرى السيول التي طرقت أبواب مدنهم أيام الأربعاء، وأهم وأخطر سيول جدة الذي أودى بحياة أكثر من مائة من سكانها وقع الأربعاء، وكأن المطر ويوم الأربعاء إذا ما أرادا اللقاء يؤثران أن يكون على قارعة «حجون» مكة أو«مظلوم» جدة.

ويوم الأربعاء هو اليوم الذي ضرب فيه البلاء أيوب عليه السلام، وهو اليوم الذي بلغ فيه سيل جدة ـ الأربعاء قبل الماضي ـ الزبى، والزبى كما يقولون حفرة تحفر للأسد على مرتفع لاصطياده، وسيلنا في جدة بلغ الزبى رغم أننا لا نصطاد الأسود، ولا ننصب الفخاخ لها، وكنت أتمنى أن يكون سيلنا كسيل الأحنف بن قيس في ثورته وجريانه، ولكنه يهدأ ويرق ويتحول إلى كائن ودود رقيق حينما يقترب من ديار الأحبة:

جَرى السَيلُ فَاستَبكانِي السَيلُ إِذ جَرى

وَفاضَت لَهُ مِن مُقلَتَي سُروبُ

وَما ذاكَ إِلا حَيثُ أَيقَنتُ أَنَّهُ

يَمُرُّ بِوادٍ أَنت مِنهُ قَريبُ

يَكونُ أُجاجا دونَكُـم فَـإِذا انتَهـى

إِلَيكُـم تَلَـقّـى طيبَـكُـم فَيَطـيـبُ

ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، إذ تجري «السيول» أحيانا بما لا تشتهي النفوس، فسيلنا ـ الأربعاء قبل الماضي ـ أصر إلا أن يكون كسيل امرئ القيس الذي يسقط جلاميد الصخر من عل، فخطف الأرواح، ودمر البيوت، وأغرق الأنفاق، وارتجفت له الجسور، وغدت المركبات كدمى ـ في يد طفل يلهو ـ لعب بها السيل في شرق المدينة، بينما واصلت السيارات الفارهة ـ في الشوارع الفارهة ـ طريقها في غرب المدينة، وقد مضى ركابها ينعمون بالغيوم، ويتأملون تداخلات البرق، والرعد، وحصاد الأرواح على الضفة الأخرى من المدينة.

تاريخ جدة محاصر بين الماء والماء، بين العطش والغرق، وقد حقق الملك عبد العزيز أول انتصار حقيقي للمدينة على العطش، وسيكون الملك عبد الله هو فارس إنقاذها من الغرق، فهذه المدينة التي تمتد قدما إلى تخوم الجدل ـ إن كانت حضنا لرفات أم البشر حواء أو مسرحا لحياتها ـ تستحق أن يقترن تاريخ ولادتها الجديدة باسم بهي كاسم عبد الله.

ولجدة التي مسها الضر دعاء بالشفاء.

[email protected]