ورطة أوباما!

TT

يريد الرئيس الأميركي إنهاء الوجود العسكري لبلاده في كل من العراق وأفغانستان، وهو أمر شرع فيه ببغداد، ووضع له جدولا زمنيا، كما كشف أوباما عن استراتيجيته حيال أفغانستان، وأبرزها إرسال ثلاثين ألف جندي، وسحب القوات بعد ثلاثة أعوام. ما يريده أوباما هو إحكام القبضة على الأرض، ودحر طالبان و«القاعدة»، ويأمل أن تواصل حكومة كرزاي بناء الدولة، ومحاربة الفساد.

وهنا تتلخص أزمة أوباما، سواء في العراق، أو أفغانستان، فالرئيس الأميركي يتعاطى مع دولتين أبعد ما تكونان عن الديموقراطية، ودول المؤسسات، بمنطق ديموقراطي ومؤسساتي، وهو ما قد يكون مقبولا لدافع الضرائب الأميركي، أو المشرع، لكنه أمر غير ذي جدوى للعراقيين أو الأفغانيين.

مشكلة أوباما أنه يكرر في أفغانستان خطأ بوش الابن، الذي ما أن أسقط صدام حسين إلا واعتقد أن العراق سيقف على قدميه ديموقراطياً، بل ويغير المنطقة كلها، لكن الأمور لا تسير هكذا في عراق لم يعرف إلا الديكتاتورية طوال عقود أربعة. والديكتاتورية، بالعراق أو غيره في منطقتنا، ليست سلوكاً فردياً، بل ثقافة جمعية متفاوتة، وإلا ما الفرق بين منطق من يحكم العراق اليوم ومنطق صدام حسين، ناهيك عن بعض النخب العراقية التي باتت تبدو وكأنها أعضاء السفارة الإيرانية في بغداد، لا أعضاء البرلمان العراقي!

بالنسبة لأفغانستان الوضع أسوأ، فأوباما يتعامل مع دولة فاشلة على مر عقود، لا يوجد بها حتى ملامح الدولة، ناهيك عن الديموقراطية، ومن هنا تأتي ورطة أوباما؛ فما تحتاجه أفغانستان ليس زيادة قوات، وجدول انسحاب، وتعاوناً من كرزاي الذي فاز بانتخابات مطعون في نزاهتها أصلا.. ما تحتاجه أفغانستان هو جيش قوي، وبناء مؤسسات على مدى ما لا يقل عن خمس سنوات، ومن ثم الشروع في العمل الديموقراطي المشروط، وهو ما يمكن تسميته بالديموقراطية «المغلقة».

أفغانستان بحاجة إلى جيش يفرض قبضته على البلاد، وقوات شرطة، ومدارس، وبرلمان معين، وليس منتخباً الآن، ووسائل إعلام لا تخضع للسلطة، ومشروع مصالحة متكامل، وتكون أميركا، وحلفاؤها، بمثابة الضامن لكل ذلك، وبعد أن تستقر البلاد بخمس سنوات يتم الشروع في تنظيم الأحزاب، وقانون الانتخابات، مع ضمانة استمرار الجيش كمؤسسة قوية ومستقلة، للدفاع وضمان الاستقرار، وليس الهجوم.. جيش يقوم على عقيدة تشبه عقيدة الجيش التركي في ضمان العملية السياسية في البلاد، وهذا ما كان، ولا يزال، ينقص العراق.

قد يقول البعض إنه قد فات الأوان في العراق، لكن لا يزال بيد أوباما أن يتفادى الخطأ في أفغانستان، فمن رحبوا بخطته من دول الجوار علناً لا يمكن ضمان أنهم لن يقوموا بتصعيب مهمة واشنطن من تحت الطاولة، كما يقال، خصوصاً أن واشنطن قد حددت 3 سنوات للانسحاب، وبالتالي فإن شروط اللعبة في أفغانستان قد تغيرت، وأصبح الأهم فيها ليس القتال، بل الصبر.

وجيران كابل على مقدرة لأن يصبروا 3 سنوات طالما أنهم قد صبروا عقوداً وعقوداً على جار منهار. ولذا نقول إن أوباما في ورطة، وخطته في أفغانستان خطأ يشبه كثيراً خطأ حل الجيش في العراق أيام بوش. 

[email protected]