سويسرا والخوف من الإسلام!

TT

لا ننتهي من مشكلة إلا وندخل في غيرها! فبعد الرسوم الكاريكاتيرية ومحاضرة البابا وقصة الحجاب الإسلامي والبرقة الأفغانية.. انتقلنا الآن إلى مشكلة المآذن والمنارات.. أصبح واضحا وضوح الشمس أن الغرب «حط عينه» علينا كما يقال ولن يزيحها عنا قبل أن يفعل بنا ما فعله بالشيوعية سابقا. بمعنى آخر فإن الأصولية مستهدفة مثلما هي تستهدف الآخرين. وهكذا أصبحنا بين فكي كماشة: اليمين المتطرف الغربي من جهة، وأصوليتنا الحامية من جهة أخرى. وأصبحت الأغلبية في هذه الجهة أو تلك رهينة عند متطرفي الغرب وحاقديه من جهة، وعند متطرفينا وجهلتنا نحن من جهة أخرى.

ألا ينبغي على الأغلبية الصامتة أن تتحرك لكي تقطع الطريق على هذا التحالف الموضوعي الجهنمي بين المتطرفين؟ لماذا كل هذا الخوف من الإسلام؟ لماذا تحول الإسلام إلى «بعبع» يرعب البشر؟ لماذا كل هذه المبالغات والتهويلات حول الإسلام بمناسبة ودون مناسبة؟ كل الإحصائيات تشير إلى أن نسبة المتطرفين لا تزيد عن خمسة في المائة. في فرنسا يوجد خمسة ملايين مسلم، وهي أكبر جالية في كل أوروبا. عشرة في المائة منهم فقط يحضرون صلاة الجمعة بحسب أقوال محمد موسوي رئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي. ويوجد في فرنسا ألفا مسجد (2000)، فقط عشرون منها مزودة بمآذن. ومع ذلك فإن الصلاة تقام في هذه الجوامع كلها سواء بمآذن أو دون مآذن. المأذنة ليست ضرورية ولا إجبارية لإقامة الصلاة. ولذلك فليس صحيحا قول الشيخ يوسف القرضاوي: اليوم المآذن وغدا المساجد! لا، المآذن كرمز واضح على الإسلام وعظمته وعنفوانه وتفوقه هي التي ترعبهم وليس المساجد التي لا تُرى بالعين المجردة، إذا جاز التعبير.. أكاد أقول إن حرماننا من المآذن هو بمثابة رد فعل على ضربة 11 سبتمبر وحرمان أميركا من طربوشها وتاج رأسها: أي البرجين التوأمين. الحرب الرمزية أحيانا أخطر من الحرب الحقيقية. انجيلا ميركيل تقول: لا مانع من المآذن في ألمانيا ولكن بشرط ألا تكون أعلى من رؤوس الكنائس. هكذا نلاحظ أن المعركة أصبحت طفولية تقريبا: هل أنا أطول منك أم أنت أطول مني؟ هل رأسي فوق رأسك أم العكس؟ أقول ذلك على الرغم من أن المآذن الإسلامية كانت ستضفي طابعا جماليا على المشهد الأوروبي والسويسري تحديدا. فسويسرا بلد الجبال الشاهقة، فلماذا تضيق إذن ذرعا بالمآذن الباسقة؟ لقد خسر السويسريون من الناحية الجمالية الشيء الكثير بتصويتهم ضد المآذن. ولا أتحدث هنا عن الدلالة الروحية للمآذن بصفتها شهادة على السمو والعلو، على المطلق والتعالي الرباني..

و لحسن الحظ فإن هذا التشنج ضدنا لا يشمل جميع السكان. حذار من التعميم. فنحن في بلاد حضارية متقدمة. والغرب غربان أو أكثر وليس كتلة واحدة صماء، بكماء، عمياء. ولا ينبغي أن نحمّل التصويت السويسري أكثر مما يحتمل. فالبلاد الأوروبية تظل بلادا حرة وديمقراطية وتسمح لك بأن تتعبد وتصلي كما تشاء وتشتهي. كما تسمح لك بألا تتعبد وألا تصلي. أنت حر. وأصلا المشكلة الأساسية ليست هنا. وأخشى ما نخشاه هو أن يلهونا بالمشاكل السطحية الشكلانية عن المشاكل الحقيقية. وهذا ما نبه إليه زعيم اتحاد النقابات الفرنسية برنار تيبو.

فتارة يشغلوننا بقصة المآذن، وتارة أخرى بقصة البرقة الأفغانية التي لا تخص إلا نسبة ضئيلة جدا من نساء المسلمين في أوروبا. وهكذا تنسى الحكومات اليمينية واجباتها تجاه ملايين العمال المغتربين العاطلين عن العمل والمحرومين من أدنى مستويات المعاملة الإنسانية هم وعائلاتهم. هنا تكمن المشكلة الأساسية التي يريدون صرف الأنظار عنها بأي شكل عن طريق افتعال هذه القصص الدينية وإلهاء الناس بها. عيب! معظم الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا تطالب فقط بحقها في العمل وتأمين لقمة العيش الكريم لأطفالها وأن تعامل بشكل إنساني كبقية الجاليات الأخرى دون تمييز أو إجحاف أو احتقار أو نبذ أو تهميش. هذا هو المطلب الأساسي لجالياتنا وليس البرقة ولا الحجاب ولا حتى المآذن..