نقض الهاشمي أنجح الانتخابات

TT

لا نتذكر عرضا سياسيا فيه جدل قانوني، ومطارحة سياسية، ونتيجة حقيقية، كما شاهدنا في دراما الأيام الأخيرة في العراق، بعد أن تجرأ نائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي واستخدم حق النقض ضد قرار البرلمان العراقي في احتساب الأصوات الانتخابية. وهذه من المرات القليلة التي يظهر فيها النظام العراقي، بدستوره وبرلمانه وحقوقه الموزعة، أنه مبني على أسس التوازن التي تخدم الجميع.

ومع أن التهديدات أطلقت في سماء بغداد ضد الهاشمي بأن الاعتراض مرفوض، أو التحذير من النقض تعطيل للعملية السياسية وإضرار بالغ بالنظام، وهناك من دعا إلى محاكمة الهاشمي لأنه مارس حقه، وآخرون تباشروا بأن النقض هو المسمار الأخير في نعش العملية السياسية الرضيعة.

النتيجة عكس ذلك تماما، الاعتراض والجدل والاتفاق عزز دولة القانون، وكانت ممارسة مثيرة بامتياز من قبل كل الأطراف المنخرطة في المعركة سواء الهاشمي الذي وقف وقال لا، متحديا الوضع القائم، ثم قال لا ثانية ضد التعديلات العقابية، أو القيادات المضادة التي صارعته من خلال التفتيش عن وسيلة لتجاوز النقض أو مصالحته، وفي الأخير سعى الجميع لإرضاء الأقليات جميعا عند احتساب مقاعدها. والأهم في الخلاف أن الجميع اعتبر المرجع هو القانون، فكانت المعركة تستأهل الوقت والجهد وبالطبع الخلاف.

ولأن كل الأطراف كانت تدعي حقها من خلال القانون، ولأن القانون حمال أوجه، فإن المعركة قاتل فيها سياسيون من خلال قانونيين من الأمم المتحدة التي ساهمت طرفا كخبير، والمحكمة الاتحادية العليا العراقية، وخبراء عراقيين، إضافة إلى الكتل البرلمانية.

أزمة الهاشمي أظهرت أنه يمكن من خلال الاحتكام إلى العقل والقانون، يمكن حل كل العقد مهما كان التنازع. كما أثبت الدستور العراقي الدائم، الذي شكك فيه المعارضون عندما طرح للاستفتاء قبل أربع سنوات وحاربوه، أنه أفضل ضمانة للأقليات والأكثرية، حيث وإن كان يعطي الأغلبية حقوقها الطبيعية، فإنه يحمي الحكم من الفردية مثل الرئيس أو مجمع الرئاسة، والقانون يهمش غلبة الأكثرية البرلمانية من خلال فتح باب النقض للآخرين، وكذلك من خلال آلية التصويت. فالبرلمان يستطيع رفض النقض في المرة الثالثة والأخيرة، لكن لا تكفيه أغلبية بسيطة بل يجب ألا تقل عن ستين في المائة، نتيجة صعبة على الأكثرية في البرلمان إلا إذا كان للنقض شعبية كبيرة.

كان الخائفون من نقض الهاشمي يخشون أن يهدم المعبد على رؤوس الجميع، ويعطل العمل الانتخابي، ويضع البلاد في فراغ رئاسي، وبينهم رئيس البرلمان إياد السامرائي، إلا أنه كان امتحانا للقانون وحدود اللعبة السياسية. عمليا تأجيل الانتخابات، أفسد موعد الانتخابات الذي أجل إلى شهر لاحق، ضرر محدود وفي نفس الوقت أصبحت كل الأطراف راضية. ولنا أن نتخيل لو أن الهاشمي نقضه وفشل، أو أنه لم ينقضه أصلا وصارت الجماعات المتضررة تجأر بالشكوى من وضع مجحف، مما سيجعل الانتخابات ونتائجها محل تشكيك وطعن مستمرين. لهذا النقض والطعن والنقاش والاتفاق الأخير حقق المعادلة التي يمكن أن توصف بأنها الحد الأدنى المقبول من أجل انتخابات عادلة تضمن للعراقيين برلمانا يمثلهم جميعا.

[email protected]